شبابنا والسلوكيات الدخيلة على المجتمع
درويش بن سالم الكيومي
في الحقيقة كانت طبيعة الحياة في مجتمعنا محصورة بين البيت والحارة والمزرعة، تتأصل بها تلك السمات المميزة من الأخلاق والعادات والتقاليد والأدب والاحترام المتبادل والتواضع الذي ليس له حدود، وكان الشباب هم منبع السعادة اليومية في المجتمع، ولا توجد بينهم فوارق أبدًا، والكل منهم منصح ومرشد ومربي، ويقسو على ابن أخيه أو ابن جارة إذا كان مخطئًا من أجل نصحه وإرشاده، ولا أحد يحرك ساكنًا في ذلك الموقف المشرف، وفي زمننا كان الشاب يساعد في أعمال المنزل والزارعة، ويقوم بأعمال شاقة منذ طفولته، ويستمر بذلك الجهد والعزيمة ويلاقي تشجيعًا وحماسًا من كل أفراد الأسرة والمجتمع، فالحياة كانت بسيطة جدًا وبها قلوب بيضاء جميلة ونظيفة تحب الخير لبعضها البعض بين أهل البلد.
وهكذا كانت الأيام الحلوة الجميلة تتجدد بالنشاط والحيوية، واستمر عليها الجيل الرائع حتى وصل إليها لتعليم ليأخذ بأيدي الشباب إلى بر الأمان، حتى أصبح لدينا جيل متفتح بالمعرفة والتطور والازدهار والتنمية، وكانت بداية مميزة في مدرسة من سعف النخيل، وتطور بها الحال إلى مرحلة الخيام، فالطموح كان كبيرًا ومشرفًا يرفع الرأس، بل كان التوجه إلى ما هو أجمل وأفضل وأرقى النتائج التعليمية للوصول إلى مرحلة العمل وخدمة هذا الوطن الغالي في المحافل الدولية والإقليمية.
ولكن للأسف الشديد وصلنا إلى زمن يعكر صفو القلوب ويكسر المشاعر والخواطر، ويدمع العين من ظواهره وسلوكياته السلبية التي بدأت تغزو وتظهر على شكل شواذ لا يقبلها المجتمع، ظاهرة تستفحل كل يوم ونحن نتفرج عليها ولا نحرك لها ساكنًا، وكما يقال” العين بصيرة واليد قصيرة”.
فيا ترى لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة العقيمة التي قلبت التوازن الأسري في مجتمع متماسك، ويصبح هرم الأسرة في قفص الاتهام؟!
إن من تلك الأسباب من وجهة نظرنا هي؛ ما أن وصل شبابنا إلى مرحلة السن القانوني إلا وله الحرية التامة في التمرد والعصيان، وإهانة الأسرة من التصرفات الغير أخلاقية إطلاقًا، إنتهى معها زمن التهذيب وأصبحت كلمة (أف) مباحة في العلن، فأين الإحسان، وأين العطف، وأين البر؟!، قال تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّۢ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}- صدق الله العظيم [الآية: (23) من سورة الاسراء].
فمن وجهة نظري بأن الشباب متأثرين بالكثير من الأحداث الدخيلة على المجتمع من سلوكيات مشينة، بالإضافة إلى التأثير الالكتروني وقنوات التواصل الاجتماعي الأخرى، فكلها أسباب وعوارض خارجة عن المنطق والعادات والتقاليد، فيجب على جهات الاختصاص الموقرة بأن تقرب وجهات النظر ولا تكون سببًا في التفكك الأسري، وإذا كان القانون لا يسمح فهناك جهات للإصلاح يحال لها كل من تسول له نفسه التمرد والعصيان؛ فالواجب بأن نحافظ على كيان الشاب من الضياع والهاوية حتى لا يصل إلى ما لا يحمد عقباه، ولا يمكن بعدها لملمة الشمل لأن الأمل ضاع وانتهى من الوجود، فإلى متى سوف نقف مكتوفي الأيدي ونساهم في الحرية المفرطة وهي تدمر أبنائنا الشباب ولا نستطيع تحريك ساكن، لأن القانون لا يسمح فالشاب وصل إلى 18 سنة وله باب الحرية مفتوح؟!
لقد وصل بنا الحال بأنه لا يمكن التصدي لذلك، وإلا سوف يطبق القانون حتى وإن كان الطرف الآخر هو هرم الأسرة، وتتخذ ضده الإجراءات القانونية بكل مراحلها، لقد وصلنا إلى مرحلة يعجز عنها الكلام وتحزن عليها العين وينفطر منها القلب، ولا نقول إلا ” إنَّا لله وإنّا إليه راجعون”.