الميراث وتوزيعه ضرورة شرعية للحفاظ على الترابط الأسري

صالح بن سعيد الحمداني
الميراث من الأحكام الشرعية العظيمة التي شرعها الإسلام لتنظيم انتقال الأموال بعد وفاة الإنسان، وهو نظام دقيق يحفظ الحقوق ويضمن العدالة بين الورثة، ولكن حين يتأخر توزيع الميراث أو يتم التلاعب به، تنشأ الخلافات الأسرية، وتتزعزع الروابط العائلية، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الشقاق والعداوة بين الأقارب.
فالهدف من الإسراع في توزيع الميراث ليس مجرد أمر مستحب، بل ضرورة شرعية واجتماعية، وذلك لعدة أسباب:
منها تنفيذ أمر الله فقد وردت آيات واضحة في القرآن الكريم تحدد كيفية تقسيم الميراث بدقة، حيث قال تعالى:
﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ (النساء: 11).
ومنها كذلك تفادي النزاعات والخلافات، فالتأخير في تقسيم الميراث يؤدي إلى تراكم المشاكل وزيادة التوتر بين أفراد الأسرة، مما قد يصل إلى القطيعة أو حتى اللجوء إلى المحاكم.
ويأتي فيها أيضا ضمان استفادة الورثة من حقوقهم فبعض الورثة قد يكونون في حاجة ماسة إلى نصيبهم، مثل النساء، والأيتام، أو كبار السن الذين يعتمدون على الإرث كمصدر للدخل.
والحق أن الحفاظ على الترابط الأسري من بين أهم النقاط للإسراع في توزيع الميراث، فعندما يتم توزيع الميراث بعدل وسرعة، يشعر الجميع بالرضا والطمأنينة، مما يعزز المحبة بين أفراد العائلة.أما عن الآثار السلبية لتأخير توزيع الميراث، فعندما يُؤخَّر توزيع الميراث، تحدث مشاكل كثيرة تؤثر على العائلة والمجتمع، فتفكك الأسر وانتشار العداوات من نتائج ذلك، فقد يطمع أحد الورثة في النصيب الأكبر، أو يحاول الاستيلاء على الميراث دون وجه حق، مما يؤدي إلى نزاعات طويلة مما يحدث القطيعة بين الإخوة والأخوات بسبب الشعور بالظلم والغبن، مما يضعف الروابط العائلية.
ومن ثم اللجوء إلى المحاكم وزيادة النزاعات القانونية، عندما يتعذر الاتفاق بين الورثة، يضطر بعضهم إلى اللجوء للقضاء، مما يؤدي إلى إطالة أمد النزاع وزيادة الأعباء المالية والنفسية على الجميع.
فالمحاكم مليئة بقضايا الميراث التي استمرت لعقود، وأدت إلى استنزاف الأموال والوقت دون جدوى.
ومن الآثار أيضا ضياع المال وتلفه، قد يضيع جزء من الميراث بسبب الإهمال أو عدم القدرة على التصرف فيه، مثل العقارات التي تبقى مهجورة، أو الأموال التي تُنفق في النزاعات القضائية، وأحيانًا يتم بيع الإرث بأقل من قيمته الحقيقية بسبب الخلافات المستمرة، مما يؤدي إلى خسائر مادية كبيرة للورثة.
ويُعد التأثير النفسي والاجتماعي السلبي من الآثار السلبية، فيشعر بعض الورثة بالظلم والقهر، مما قد يؤدي إلى حالات من الاكتئاب أو القطيعة التامة بين أفراد العائلة.
بعض العائلات تتحول من أسر مترابطة إلى أفراد متخاصمين لا يجتمعون حتى في المناسبات الدينية أو العائلية.
وللشريعة الإسلامية رأي في توزيع الميراث، فالإسلام وضع نظامًا دقيقًا للميراث يضمن العدل بين الورثة، وأمر بتنفيذ أحكامه فور وفاة المورث. فقد قال النبي ﷺ:
“اقسموا المال بين أهله على كتاب الله عز وجل” (رواه البخاري ومسلم).
كما أن تأخير توزيع الميراث بغير عذر شرعي يعد ظلمًا، وقد نهى الإسلام عن أكل حقوق الآخرين بغير حق، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ (النساء: 10).
وبالتالي، فإن الامتناع عن توزيع الميراث أو تأخيره يُعتبر تعديًا على حقوق الورثة، مما قد يؤدي إلى عواقب دنيوية وأخروية وخيمة.
كما أن للقانون موقف من توزيع الميراث، فالقوانين في معظم الدول الإسلامية تستند إلى الشريعة الإسلامية في توزيع الميراث، وتنظم إجراءات التقسيم لمنع التلاعب أو الاستحواذ غير المشروع عليه. ومن أبرز أحكام القوانين، إلزام الورثة بتقديم طلب لحصر الإرث رسميًا بعد وفاة المورث.
وضع آليات قانونية واضحة لضمان توزيع الميراث وفقًا للشريعة.
فرض عقوبات على من يعرقل تقسيم التركة أو يحاول التلاعب بها.
إعطاء الأولوية للحقوق المالية مثل سداد الديون قبل توزيع الإرث.
كما أن المحاكم المختصة تتدخل عند حدوث نزاعات، لكن يُفضل حل الأمر وديًا بين الورثة، حفاظًا على العلاقات العائلية.
أما عن الغاية العظمى من توزيع الميراث العادل، فالهدف الأساسي من توزيع الميراث وفقًا للشريعة الإسلامية هو الحفاظ على الترابط الأسري والتماسك المجتمعي، حيث يؤدي توزيع الميراث بعدل إلى خصال حميدة طيبة منها حماية صلة الرحم حين يحصل كل فرد على حقه، تنعدم أسباب العداوة والخصام، ويبقى الود والمحبة بين أفراد العائلة.
و تحقيق العدالة الاجتماعية في تقسيم التركة بعدل يضمن عدم استحواذ طرف معين على الأموال على حساب الآخرين، ويمنع حدوث الظلم، كما من الخصال منع النزاعات القانونية فالإسراع في التقسيم يقلل من القضايا المرفوعة في المحاكم، ويوفر الجهد والوقت على الجميع.
تعزيز الاستقرار المالي للورثة حين يتم توزيع الميراث بسرعة، يستفيد الورثة من حقوقهم، مما يساعدهم في تحسين ظروفهم المعيشية دون الحاجة لانتظار طويل أو الدخول في صراعات.
ونستطيع القول أن الميراث ليس مجرد أموال تُوزع، بل نظام إلهي يهدف إلى حفظ حقوق الجميع وتعزيز المحبة بين الأقارب لذا، من الضروري الالتزام بتوزيعه سريعًا وفقًا لما أقره الشرع، وتجنب تأخيره أو التلاعب به، حتى لا يتحول إلى سبب للفرقة والنزاعات. فإن المال زائل، ويبقى الود والترابط الأسري هو الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات القوية والمتماسكة.