الثلاثاء: 29 أبريل 2025م - العدد رقم 2535
Adsense
مقالات صحفية

في انتظار موافقة لم تأتِ

أحمد بن سليم الحراصي

أعتقد أن بعضنا تخيِّم في نفسه فكرة راسخة بأنه (لا زواج دون حب)، ولا يطمئن قلبه في الزواج بامرأة من اختيار والديه؛ لأنه باختصار لا يؤمن بفكرة الزواج التقليدي حتى وإن كان والداه تزوجا بهذه الطريقة، لكن ذلك حسب ظنه زمان كان له ناسه وهذا زمان وعصر له ناسه أيضًا فلطالما لا يلتقي عصر بعصر، فمن الاستحالة أيضًا أن يلتقي هو وأبوه في زمن قياسي بنفس العمر؛ ولذلك يرى أن فكرة الحب مثالية للزواج بامرأة يحبها، ونسى بأن لا زواج دون موافقة إلهية تسبق موافقة أي إنسان لا حول له ولا قوة في هذه الفانية.

الصحيح أنني لست من أولئك الذين تستهويهم قصص الحب والهيام وترهات العشاق وأحلامهم الكبيرة التي يبنونها في الليلة الظلماء، تلك الليلة المتأخرة وقتيًا؛ حيث الجميع نيام ولا يبقى سوى نوعين من البشرية، أحدهما عاشق تائه مع من يحبها وثانيهما عابد راكع لربه يطلب غفرانه، ولكن ولأن هذه القصة جعلتني أتفكر في عظمة الخالق وكيف أن هذا الكون يجري بأمر مكتوب وليس على الإنسان سوى أن يخضع لربه، وأن يرضى بما قسمه الله له دون أن يندب حظه أو حتى أن يفكر في أنه قد تم التلاعب به أو ظُلِم لأن ذلك قدر والقدر لا يمكن أن يخطئ في شأن مستحقيه.

يقول صاحب القصة: عندما حلَّت جائحة كورونا في العالم وانتشرت وتم خلالها الحظر التام للكثير من مؤسسات العمل الخاصة والحكومية في الدولة والكثير الذي تعرفونه، في تلك اللحظة اضطر الكثير من أولياء الأمور لشراء أجهزة إلكترونية خاصة لأبنائهم لتمكينهم في الدراسة عن بعد والتي لم يكن يملكها أغلب الطلاب والطالبات في مقاعد الدراسة بالمدرسة خصوصًا، وفي تلك الفترة، تعرفتُ على فتاة في إحدى برامج التواصل الاجتماعي وهي طالبة في المرحلة الثانوية، كانت بيننا محادثات بسيطة وكل كلامنا فقط عن دراستها وعن تعاملها مع المنهج الدراسي في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها، ولم يكن بيننا أي علاقة أخرى سوى أنني أحاول الاطمئنان عليها بين آن وآخر لتختفي بعدها فجأة دون أن أعلم ما حدث لها، ورغم ذلك فقد استمررت بإرسالي عدة رسائل لها؛ للاطمئنان عليها دون مجيب رغم أنني كنت أثق بأنها ستعود يومًا ما، وبعد مرور سنة ونصف تلقيتُ رسالة ردها؛ حيث قالت لي بأن هاتفها قد تم سحبه منها في تلك الفترة لكي تهتم بدراستها، وبعد 5 سنوات كاملة من تواصلنا هذا قررتُ الاعتراف بحبي لها وأنني مستعدٌ لخطبتها من أهلها في أي وقت إن كانت موافقة على ذلك.

ترددت الفتاة أولًا، بقولها إنها تحتاج وقتًا كي تعرفني وتعرف جيدًا عني، ولم أكن ممانعًا؛ لأنني كنت صادقًا معها وأردتها وحدها دون غيرها، فقد بلغ بي العشق مبلغه، فقررت أن نلتقي أنا وهي في أماكن عامة، واشترطت أن أكون برفقة أختي ولن تلتقي بي إن أتيت وحدي فكان لها ما أرادت، وبعد معرفتها بأختي، التقينا بها عدة مرات حتى وافقت على فكرة الزواج مني وضربت موعدًا مع والدها للخطوبة.

كان كل شيء جميلًا ويبدو أنه يسير على ما أردته، فلم يكن وجه أبيها يدل على شيء سوى أنه كان راضيًا عن زواجنا وقد طمأنني بالخير الذي سأسمعه منه، وفي انتظار الموافقة التي ستأتي من والدها، ولسبب لم أستطع معرفته يأتيني رفض والدها بالزواج مني بقوله: اسمح لنا يا ولدي ما لك نصيب معنا! وأغلق الهاتف.

ظللت مشدوهًا مما سمعت، كيف يكون هذا الجواب وما السبب؟ حاولت كثيرًا الاتصال بوالدها لمعرفة أسباب الرفض لكنه لم يعطني سببًا واضحًا واكتفى بقول: (دوّر على نصيبك). ومع هذا لم يكن هناك حل في الحقيقة سوى أن نعترف له بعلاقتنا على أمل موافقته لكن ذلك زاد الأمور سوءًا، فقد ضرب ابنته، وسحب عنها كل شيء، وحرّمها من أبسط حقوقها.

انقطع تواصلنا في ذلك الوقت وشعرت أنني في ظلام لا مدخل للنور فيه، عشت في دوامة الموت، حياة بلا طعم ولا معنى، حاولت التوصل لها عن طريق أختي وربما فلحت في ذلك، أخبرتني بأنها ستحاول إقناع والدها بمساعدة إحدى قريباتها ولكن بدل من أن تساعدها هذه القريبة وتكون في صفها فقد فضّلت أن تنصحها بأنني لا أستطيع إسعادها، وأن الحب ليس كل شيء حتى لو تهيأت كل السبل فيه لكن النهاية لن تكون في صالحك.

حينها أخبرتني أنه يجب أن نبتعد، فكل الأبواب موصدة، ولم تكن فقط مغلقة فالأمر أشبه بالمستحيل لتأتي الموافقة على زواجنا، ومع هذا فقد حاولنا الابتعاد دون فائدة ورجعنا لبعضنا على أمل أن نجد خطة جديدة لإنقاذنا من هذا المأزق، وربما تستطيع مساعدتي.

قلت له: يا صاحبي، ليست لي علاقة بقصتك وأعرف بأنني لو نصحتك بالتخلي عن حبك وإيجاد فتاة أخرى تتزوجها فإنك لن تستمع لي؛ لأنك على ما يبدو أصبحت قيسها وهي ليلاك ولكنني أنصحك بالتحدث مع كباركم وشيوخكم من قريتكم والذهاب إلى أبيها وإقناعه ربما بهذا يعدل عن رأيه.

وبعد فترة وجيزة، جاءني متحسرًا على حظه؛ حيث قال لي بأن الجميع قد تخلى عنه، لا كبار ولا شيوخ وأعيان، أعطوني وعودًا واهية وانشغلوا بأعمالهم وما بين انتظارهم وتذكيرهم يطمئنوني بحل مشكلتي قريبًا حتى يئست منهم وأنا الآن كما ترى أحاول إيجاد حل آخر، ثم صدقني لو أردت الزواج بها بهذه السرعة لاخترت طريق المحكمة لتزويجنا، وهذا الحل اقترحته هي وكانت تنوي بالشكوى على والدها في المحكمة لكنني رفضت ذلك تمامًا خوفًا على سمعتها ورغبة مني في الزواج بها بموافقة والديها، لا أعرف ماذا يحدث لنا، تصور أن والدها كان موافقًا ولكن تراجع عن قراره لاحقًا.

قلت له ذلك الوقت بأنه عليه نسيانها، هذه الفتاة لم تُكتب بأن تكون لك، لعل ذلك يكون خيرًا لك ولها وآمن بقدرك، فالإيمان بالقدر خيره وشره هو ركن الإيمان السادس ولا أظنك ستشذ عن هذه السنة وتتمرد عليها.

تركني حينها على أمل أن يجد حلًا يرضيه ووعد بأنه لن يتزوج بامرأة غيرها فإما هي وإما لا، وبعد فترة تصلني خبر وفاته ولله في ذلك شؤون، حزنت لأجله وتفكّرتُ في مشكلته وكيف كانت العوائق والحواجز ضده وكم من شخص أخبره بأن الله يريد لك خيرًا ولكن بقت في نفسه آمال بأن يتزوجها وفي النهاية أخذ الله أمانته ليريحه من تفكيره وعذاباته، الجميع كان موافقًا على زواجها منه إلا والدها، لا أعرف ما الإحساس الذي شعر به ذلك الرجل ليرفض كل المعطيات التي أمامه ويرفض رجلًا فيه كل الصفات التي يتمناها أي والد في زوج ابنته لكنه قدرٌ لا يمكن تخطيه أو حتى التفكير بمجرد تغييره فسبحان الله!

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights