الحوارات الإلكترونية
د. رضيه بنت سليمان الحبسية
لقد تزايد اهتمام الناس بالمستحدثات الإلكترونية في العصر الحديث، وتسارعوا في توظيف برامجها في مجالات شتى، ليس على المستوى الوظيفي أو المهني فحسب، بل شمل جوانب حياتية مختلفة. وأقصد هنا البرامج التفاعلية، التي تخطت الحدود الزمنية والمكانية، حيث يتمثل جوهر فائدتها في تسهيل التواصل بين بني البشر، على اختلاف انتماءاتهم، وتباين مستوياتهم. ويتم تفعيل تلك البرامج من خلال مجموعات افتراضية تشاركية، بعضها يُحقق أغراضًا اجتماعية(عامة، أو خاصة)، وأخرى تُؤسس لغايات ثقافية(متخصصة، أو متنوعة). ولكن! كثيرًا ما تنعدم الفائدة المرجوة منها؛ لغياب آداب تفعيلها، خاصة تلك التي تقوم على الحوارات المتبادلة، دون تأطير موضوعي أو زمني محدد.
وقد يتساءل البعض: لماذا تنهتي كثير من الحوارات قبل أن تبدأ، على الرغم من أهمية الموضوع المتحاور عليه؟ ولماذا يعزف الكثيرون عن الخوض في كثير من الحوارات على الرغم من امتلاكهم أدوات الحوار؟
نُشير هنا إلى فكرة عامة، مفادها: أن وجود قضية تستحق الطرح، والمناقشة أمرٌ ليس بكافٍ، ليتم تناولها بأطراف الحديث، أو إبداء وجهات النظر، بل لابد من توفر مقومات عدة لنجاح تلك الحوارات، أهمها: الالتزام بآداب الحوار، إذ يُعدُّ ذلك مؤشراً لإيجابيات الحوار أو سلبيته. ففي حال حدوث انتهاك للذوق العام، أو تجاهل لآداب الحوار، أو تجاوز لمحدداته، حتمًا سيؤدي ذلك إلى فشل أهدافه، وتحول مجرياته، إلى مسارات غير محمودة. ومع الأيام تطفو ظاهرة العزوف عن المشاركات الفاعلة، ويتولد شعورًا بخيبة الأمل لدى الكثيرين، ممن يحرصون على إبداء آرائهم وطرح خبراتهم؛ وصولًا إلى غايات كبرى، تتمثل في وصول تطلعاتهم وآمالهم لمتخذي القرارات، لعلها تُحدث فرقًا في التطوير المنظومي، أو تُسهم في إعادة النظر لبعض القرارات ذات الصلة بالقضية المطروحة.
وفي هذا المقام، فإنّ المسؤولية تقع على منشيء ومديري المجموعات الإلكترونية الافتراضية بدرجة كبيرة، تحديدًا العامة منها، والتي غالبًا ما تضم أعضاء من جهات وقطاعات متعددة، بل وتخصصات متباينة، وفئات عمرية مختلفة، إلى جانب ثقافات وخبرات حياتية ومهنية متفاوتة، الأمر الذي يجعل أمر التفاعل الصحي الإيجابي بينهم ليس بالهين، ويلقي بأعباء جمة على المشرفين في إدارة تلك الجماعات البشرية الضخمة؛ حقنًا لحدوث أية مشاحنات، أو مشاجرات بينية، أو نتائج سلبية، تبدأ بمغادرة قوى مؤثرة، وانسحاب عقول مثقفة، أو تزايد أعضاء يقتصر دورها على المتابعة بصمت. وبالتالي تفقد المجموعات غايتها، وينطفي بريقها، لينتهي بها المآل لأن يكون بقائها كعدمه، أو تحول هدفها الأساس إلى نقيضه، لتعم الفوضى، بتتداخل المشاركات العشوائية، بلا ضوابط أو محددات تنظيمية. وفي وسط تلك المعمعة، تغيب القضية قيد المناقشة؛ لغياب قيادة دفة الحوارات، وضعف التنظيم الذي يضمن جودة المداخلات.
ختامًا: إنّ مسايرة التطورات التكنولوجية والتقنية، والإيمان بفاعليتها في تسيير جوانب الحياة البشرية، يعكس قدر التقدم والرقي الفكري ليس لأفراد بعينهم، بل لمجتمع بأكمله، إذ يعتبر ذلك انعكاسًا لرؤى مؤسسية شاملة، وترجمة لتوجهات وطنية طموحة، نحو مستقبل يفضي إلى حياة مزدهرة. حيث أصبح العالم يُجري اجتماعات رسمية، ويعقد مؤتمرات عالمية، بل وتُتخذ قرارات مصيرية، عبر مجموعات افتراضية مُحكمة، وتُدار وفق معايير وضوابط مُلزمة، ومبادىء حوكمة إلكترونية رشيدة. فحريٌّ بكل من يأخذ على عاتقه تشكيل مجموعات إلكترونية، أن ينحى منحى الكثير من الجهات والقطاعات في هذا الشأن، في الأخذ بالتجارب والخبرات الناجعة المحلية، والإقليمية، والدولية، ووضع خطط تفعيلية هادفة لجموع غفيرة، وإدارة حكيمة، لما يملكون من معارف ومهارات وخبرات متعددة.