تحدّي البشر لقانون الميراث
الباحثة الإعلامية: نانسي نبيل فودة
قانون الميراث قانونٌ إلهيّ أنزله الله من فوق سبع سموات، حدّد الله في هذا القانون أحقية كلّ إنسان من نسبة ميراثه، وأنزل الأنصبة المستحقة تفصيلياً في سورة النساء.
حيث قال عزّ وجلّّ:
﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [النساء: 7].
فهذه الآية الكريمة تمهيد وإجمال لِما سيأتي تفصيله من الأنصبة في الآيات الآتية، وقد بيَّن تعالى في هذه الآية أحقيّة الميراث، وهي القرابة دون التفريق بين الرجال والنساء، وكثرة المال وقلّته.
أمّا في الآية الثانية:
قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 8].
إن النفوس البشرية مطبوعة على حبّ المال، وهي تعشق الاستحواذ عليه، خاصّة مال الإرث، والظلم لبعضهم البعض، فقدَّم الله هذه الآية بين يدي آيات توزيع التركة؛ ليكون ذلك دعوة إلى ترك الشحّ، وحثّاً على إكرام المحتاجين، ففيها الندب إلى إعطاء هؤلاء المذكورين على سبيل الاستحباب وإكرامهم بالمال المنصوص عليه.
الآية الثالثة قوله تعالى: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء:9].
وفي هذه الآية وعظ الأوصياء خصوصاً وللناس عموماً بالإحسان إلى اليتامى؛ أي: افعلوا باليتامى ما تحبّون أن يُفعل بأولادكم من بعدكم.
الآية الرابعة قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]، هذه الآية توضح الظلم الشديد الذي يظلم اليتامى في أموالهم كمال الإرث، سواء كان الظالمون أوصياءَ أم غيرهم؛ حيث ذكرت المصير المخزي لآكلي أموال اليتامى بالباطل.
ثم شرعت بعد ذلك الآيات الكريمات في تفصيل أنصبة الوارثين وبيان أهل الميراث ومقدار ما يعطاه كل واحد منه، والدعوة إلى العمل بذلك، والوعيد الشديد لمن تجاوز حدود الله في هذا الأمر العظيم.
قال تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 11].
أمّا إذا تحدثنا عن الوصية،
فقد قدَّم تعالى ذِكر الوصية قبل الدَّين، مع أن ترتيبها بعده – كما سبق – لأسباب؛ منها: كون الوصية حظَّ مساكين وضعفاء، وأما الدَّين فهو حظ غريم يطلبه بقوة وسلطان ويطالب به.
وأيضا شدّد الله على تنفيذ الوصية إذا لم تخالف الشروط الشرعية وتحريم الإضرار بالوصية في قوله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ﴾،
وذكر الله تعالى ﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [النساء: 12].
وفي هذه الآية بيان أحكام ميراث الزوج والزوجة والزوجات، وميراث الإخوة لأمّ، والمتأمّل في هذه الآية والآية التي قبلها يجد أموراً مهمة؛ منها:
الأول: أنه تعالى كرَّر ذِكر الأمر بإخراج مال الوصية ومال الدَّين قبل توزيع الإرث أربع مرات، فذكر ذلك عقب ميراث الأولاد والوالدين، وعقب ميراث الزوج من زوجته، وبعد ميراث الزوجة من زوجها، وبعد ميراث الإخوة لأم، وهذا يشير إلى وجوب الاعتناء بأداء الوصايا والديون قبل قسمة المواريث.
الثاني: ذكرت الآيتان الأنصبةَ الستة المقدرة في الإرث كلها، وبيَّنت أهلها، وهذه الأنصبة هي: الثلثان، والنصف، والثلث، والربع، والسدس، والثمن.
الثالث: ختمت الآية الأولى منهما بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾؛ لبيان أن هذا التوزيع لمال الإرث مبنيّ على عِلم الله المحيط بكل شيء وحكمته البالغة، فلا يسعنا إلا قبول ذلك والتسليم له لأنه أمر إلهيّ.
فمن أطاع الله ورسوله في هذه الأحكام وغيرها من شرائع الإسلام فله الجنة، ومن عصاه فيها بأن جحدها وأنكرها وتعالى عليها وأوجب في الناس بديلاً عنها؛ ليكون شرعاً مكان شرع الله، فقد كفر بالله واستحقّ الخلود في نار جهنم.
فأيّ إنسان أو دولة تُحدت هذه القوانين الإلهية على أساس المساواة في توزيع الميراث للذكر مثل الأنثى على أساس مبدأ المساواة والمناداة بمبدأ الحرية في توزيع الميراث، فهذا تحدٍ صريح لقانون الميراث، مما يقودهم إلى الهلاك والخزي في الدنيا والآخرة.
ويتوجب على كل إنسان المطالبة بحق ميراثه الشرعي بما يرضي الله وأن لا يتخاذل عن المطالبة به حتى لا يقع في ذنب التكاسل والخذلان. ففي المطالبة أمرٌ واجب على كل إنسان مسلم للحصول عليه والدفاع عنه.
تم الرجوع في الكتابه إلى:
تفسير ابن كثير
تفسير القرطبي