الإثنين: 28 أبريل 2025م - العدد رقم 2534
Adsense
مقالات صحفية

تحت الضغط: واقع الإدارة اليوم

  خلف بن سليمان البحري

رغم كل التحولات التي تمر بها بيئات العمل الحديثة، تبقى الإدارة اليوم واحدة من أكثر الميادين إثارة للفرص، وتحرّكًا نحو التطوير الحقيقي. ما كان يُنظر إليه سابقًا كمجرد وظيفة تنظيمية، بات اليوم دورًا محوريًا في بناء الإنسان، وتعزيز القيم، ودفع عجلة التقدّم بخطى واثقة.

لقد وفّر التحول الرقمي للإدارة الحديثة أدوات غير مسبوقة. أصبح في متناول اليد تحليل دقيق، وتواصل فوري، وقدرة على الوصول للمعلومة في اللحظة ذاتها. هذه الإمكانات لم تعزز فقط كفاءة الأداء، بل فتحت المجال للتجديد المستمر، وللتفكير بطرق غير تقليدية في تقديم الخدمات وتطوير العمليات. التقنية اليوم لم تُلغِ إنسانية الإدارة، بل ساعدتها على أن تكون أكثر تركيزًا على الإنسان، وعلى احتياجاته الحقيقية.

ثقافة العمل أيضًا مرّت بتطوّر إيجابي لافت. لم تعد العلاقة بين الإدارة والموظف محصورة في تنفيذ المهام، بل أصبحت شراكة قائمة على الاحترام، والحوار، وتحقيق التوازن. باتت بيئة العمل أكثر وعيًا بحقوق العاملين، وأكثر اهتمامًا بصحتهم النفسية، وتقديرًا لاحتياجاتهم الإنسانية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على مستوى الرضا، والانتماء، وجودة الإنجاز.

كما أن تنوّع الفرق واختلاف الخلفيات لم يعد عبئًا، بل فرصة غنية للتكامل. الإدارات الحديثة بدأت تدرك أن الاختلاف مصدر إلهام، وأن تنوع الأفكار والخبرات يمنح العمل بُعدًا عالميًا أكثر انفتاحًا. ومن ينجح في خلق لغة مشتركة بين هذا التنوّع، يفتح الباب أمام الإبداع والتطوّر بثقة.

حتى ما يُسمّى بمقاومة التغيير، لم يعد يُنظر إليه كعقبة، بل كدعوة للتأني، والشرح، وبناء القناعة. فالمؤسسات الناجحة لم تعد تفرض رؤاها، بل تُشرك الجميع في رسمها. وهذا التوجه لم يُعزز فقط قبول التغيير، بل خلق بيئات عمل تحفّز على التفكير النقدي والمبادرة الذاتية.

ومن الجوانب المضيئة كذلك، أن النظرة للإدارة أصبحت أكثر نضجًا. لم تعد النتيجة وحدها هي المعيار، بل أصبح “الأثر” هو ما يُقاس ويُحتفى به. كيف أثّرت الإدارة في المجتمع؟ كيف ساهمت في رفع جودة الحياة داخل المؤسسة؟ كيف خلّفت أثرًا إيجابيًا يستمر حتى بعد تغير الأشخاص؟ هذه الأسئلة أصبحت جزءًا من التقييم الحقيقي، ووضعت الإدارة في قلب الحركة التنموية.

بل حتى في ظل عدم اليقين والتقلبات، أظهرت الإدارات الحديثة قدرة عالية على الاستجابة الذكية، والتخطيط المرن، وإعادة توجيه البوصلة دون فقدان الاتجاه. إنها لا تنتظر الوضوح التام، بل تتحرك بحسّ استباقي، وتبني قراراتها على قراءة واعية للمستقبل.

لهذا، فإن واقع الإدارة اليوم، رغم ما يرافقه من متغيرات، ليس تهديدًا بل فرصة. فرصة للنمو، للإبداع، ولإثبات أن الإدارة ليست فقط علمًا يُدرّس، بل تجربة حيّة تُخاض بشغف، وتُمارس بمسؤولية، وتُعاش كأداة لصناعة الفرق في الناس قبل الأرقام.

 

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights