فن الهبوت
ريحاب أبو زيد
الموروث الفني من أهم عناصر الحضارة لأي مجتمع مهما كانت بنيته الاجتماعية، وسمته الثقافية والاقتصادية.
الفنون التقليدية هي الأصالة لأي شعب؛ لأنها تعبّر عن الجانب الثقافي والاجتماعي، كما أنها تبرز أهم العادات والتقاليد الموروثة، وتبرز أيضاً الفنّ الأصيل بمختلف مجالاته، حيث يحمل سِمات التأثير والتأثّر.
الفن التراثي نجده نتاج الماضي ليظلّ متواجداً في زمن الحاضر والمستقبل، فالتقاليد والعادات والفنون، واللهجات المتعددة هي حصيلة تجارب وخبرات أجدادنا في الماضي، حيث أن هذا الموروث يمثّل تراثاً متوارثاً يجب الحفاظ عليه. في المقالة السابقة تطرّقتُ إلى فنّ “الدان” التي اشتهرت به ولاية مرباط إحدى ولايات محافظة ظفار، وفي السطور القادمة سوف يتمّ إبراز نوعٍ من أنواع الفنّ التراثيّ، وهو فنٌّ من الفنون العريقة التي تشتهر بها محافظة ظفار إحدى محافظات سلطنة عمان، وهو (فن الهبوت) فنّ الرجولة والشهامة، وقد اشتهرت به محافظة ظفــار بكثــرة وله مكانة بارزة في حياة سكان ظفار، ويُعدّ الهبوت من أكثر الفنون انتشاراً وشعبية في محافظة ظفار، والهبوت كلمة باللهجة الجبالية تعني النشيد أو الأغنية، وهو أحد فنون المطارحات الشعرية والمزاح بين شاعر وآخر، ويعدّ منبراً شعرياً يكون كمساجلة شعرية بين شاعرين أو لمناقشة قضية معينة بينهما، لذلك فالهبوت ليس مجرد فنّ شعبيّ بل هو أساس اجتماعي في حياة أهل ظفار، فالشعر في الهبوت له أغراض كثيرة، منها: الحكمة والصلح والنصح والمدح والفخر والتحية والوساطة والنجدة والحضور عند الطلب، لذلك لا يقتصر استخدامه على المناسبات، رغم أنه حاضر في كل المناسبات الاجتماعية والدينية والوطنية.
وللهبوت أنواع كثيرة كتنوع البيئة الطبيعية والاجتماعية العمانية في ظفار ومنها هبوت المدن، وهبوت الريف، وهبوت البادية.
ويؤدّى الهبوت بغناء جماعي متبادل دون استخدام أي نوع من الآلات الموسيقية، حيث يصطفّ المشاركون في صفوف قصيرة مستعرضة يتلو الواحد منها الآخر في نظام متقن، ويكون في الصفوف الأمامية كبار السن والشيوخ، ويتلوهم بقية المشاركين بالتدرّج سنّاً ومكانة، لينتهي بالشباب والصغار.
ويحمل المشاركون في الهبوت سلاحهم من سيوف أو بنادق أوخناجر، ويتقدم هذا الموكب المهيب الذي يردّد فيه المشاركون شعراً عدداً من الشباب رافعين سيوفهم، أو خناجرهم، وهم يقفزون في الهواء قفزات تتّصف بالقوة والشجاعة.
مثال للهبوت مسيرة (هبوت الزامل)، والغناء يكون فيه بطيئاً إلى حدٍّ ما، بعكس الجزء الذي يليه المسمى (بالعسير) فالغناء فيه يكون خفيفاً وسريعاً.
وفنّ الهبوت شعارٌ لفنّ قبائل ظفار يخلد ذكراها ويؤكد أصالتها بكافة فئات المجتمع، وهو فنٌّ من الفنون العريقة التي تشتهر بها محافظة ظفار إحدى محافظات جنوب سلطنة عمان.
فن الهبوت أو الزامل ما زال له أدوار أساسية للتعبير عن حركة الواقع الاجتماعي، وشاعر الهبوت هو الناطق بلسان حال الجماعة في اللحظة حينها، وخصوصاً في المواجهات الاجتماعية.
إن هذا النوع من الشعر الشعبي الاجتماعي يمثّل أبرز الفنون الجماعية والاحتفالية على أرض محافظة ظفار، فهو يؤدّى في مختلف المناسبات وله خلفية تاريخية واسعة، تجعله يمتد بجذور عميقة، لأنه فن عريق وقديم لدى القبائل العربية في ظفار.
وتختلف تسميته في مختلف محافظات السلطنة، حيث يسمى في بعض المحافظات بفن الهمبل أو فن الرزحة. لذا فمن الواجب الحفاظ على تلك الفنون الموروثة لتتعرف عليها الأجيال القادمة، ويظل هذا الموروث مستمراً ومتنقلاً بين الأجيال، فالموروث الفني له عمق كبير يجب أن يعرفه الجيل القادم.
وعن ذلك الموروث الفني قال الشاعر الدكتور ناصر بن طهموم البدر المتخصص في الفنون الشعبية العمانية:
فن الهبوت من الفنون الرجالية الحماسية التراثية العمانية، وتمتاز بها محافظة ظفار وتقام في المناسبات الوطنية والاعراس عادةً وهنا نختصر هذا الفن في كلمات بسيطة، حيث يصطفّ الرجال على شكل طابور ويوزع بينهم الشعراء الأبيات على شقّين، يردد البيت الأول مثلاً الصف الأول، والصف الثاني يردد البيت الثاني بلحنٍ عذبٍ جميل وشجيّ تسوده قوة الشعر ونبرة الصوت.
ودرجت العادة أن يكون لكلّ قبيلة صف وشاعر منفرد، ونعرف عن هذا الفن أن كل مكان يتميز بلحنه وإن اتّحدوا في الهبايب والرزح إلا أن ما يميّز فنّاً عن غيره، هو طغيان طبيعة العناصر البشرية وحكم العيش في التضاريس والمناطق وتأثرهم بها، كأن نقول: هبوت الأرياف، أي أهل الجبل أو الريف. وهبوت المدن، يصاحب المدن أحياناً (إيقاعين كاسر ورحماني وهناك قسمين عسير وزامل).
وهبوت البادية، وأيضاً هناك الزامل والعسير بدون إيقاع، بتوحيد الخطوة وتعليق السلاح على الكتف.
وهناك عدة أزياء للهبايب أو الهبوت عند الرجال على حسب البيئة، فأهل الجبل والسهل لهم الزيّ النيلي أو (الصبيغة) والمدن لها اللبس الرسميّ للبلاد، بينما يتّحد الجميع في الخنجر وسلاح الكتف حسب اختلاف النوع، تفق أو بو خمس أو ايفن، كلٌّ حسب ما يملك من سلاح. وعند الوصول للمكان المراد تقام حلقات الدان دون ويكون اللحن مثلاً (اداني دون ربي يديم الهنا اداني دون والخير يعم البلاد) وحسب علمي إلى الآن أنه لحن واحد فقط مع تلقين الشاعر للصف الذي بجواره ويردد ماقالوه.