عاد المطر وأنبتَك من جديد
شريفة بنت راشد القطيطية
تلتقطني رعشتكَ حين سقط خاتمي في المطر وبحثتُ عنه، لقد كان يجري أمامي وأنا خلفهُ مثقلةً بالتوتر والخطر.
ذهب عقلي للحظة أنْ ألبستَني هذا الخاتم، وبرهنتَ حبّكَ بالرباط المقدس، وذهب قلبي لخوف أن أفقدك وأنا ما زلتُ أبحث في صفحاتٍ للمطر عن عنوانك لأرجع لك خاتماً لم يعد يلزمني.
توقف الخاتم عن الجري وتوسّد نبتةً في الأرض ضمّته كصدر حبيب.
كان للمطر وقعٌ في ذاكرتي وأنا والمظلة نرسم حواري الزهور بين القبور.
عادتُك أن تقتل القلوب وتدفنها هنا، الفرق اليوم هو المطر.
عاد المطر، وأنبتك، أخذتَ كلّ ما نبت من المطر وجئتَ بصيفك وأحرقت كل شيء، أتذكُر حين أجهضتّ الشمس في يديّ ورشقتني برياحك، ومسحت معالم المطر، وأخذت مظلتي وأخذت مشاعري وعلّقت آخر وصلٍ بين ضباب وهاوية.
أذكر أنني إخترتُ أن أختفي في الضباب وأنت لك الهاوية.
ومررت على مدن تضجّ بالعاشقين ويتهافتون تحت المطر بقلوبٍ عاشقة، ويحتضنون الإلفة ويلتقطون السرور من الأرصفة، ويعبرون الشفاة بلذة الانتماء، ويعقدون اتفاقيات.
لنا حبّ اليوم ولكم العمر كله عشق.
كعادتها اللحظات لا تجلب حظاً ولا تأتي بمحبّ.
أنزوي في زاويةٍ منعزلة، وصوت المطر يأتي بكل شواهدي اجتماعاً خاصّاً وذكرى طيبة.
الأرواح ملأى بالعطر وتبعث عن مقابر العاشقين وتعتذر للخائنين، فلا عطر لهم، جوارح الذات متواصلة بالمطر، وتأتي بموائد الشرايين في سجادة الخوف، مبللة بالدماء في رمقها الأخير وتحتضر.
ليتها وافتني المنية قبل العشق، وأعتذر عن الخوض في تفاصيل ملحّة تأخذ فقرات الروح لمجزرة تحت عضد الوطن، وتقول متنحية عن الثرثرة:
أخبري المطر أن يخفي الدماء ويسقي بها المقابر، ليتها تعود المغامرة وأنبش بين القبور عن آثارك المحطمة.
مراحل استفزازك وتهوّرك ألغت كل الذي ولد ليستمر.
كمية المطر أثقلت كاهل الليل وأعطته عمقاً، وأطفأت نار الشوق التي ألجمت من خلالك.
تحولت لمدافن شتّى من العبث، وأصابتني بوعكة في الخفقات.
وتهورك تحول إلى ظلم لي ولم أعد أحتمل.
الأسرار التي يملكها الليل لن تنطق عراقيلاً وأسواراً وقيوداً.
الليل حين يشمّ الظلم، يكون عادلاً، والأيام التي وعدتّني بها، إطمسها في عقليتك ولا تأخذ رأي الحبّ، لديه ما يكفيه من أمثالك.
المتكلم إن كان مجنوناً فالمستمع عاقل.
لديك اتفاقيات مع البُعد عني دون وجه حقّ، ولديّ اتفاقياتي مع المطر أن يأتي بك وينبتك في أرض الصدق، ويتفق مع الليل أن يرعبك، وتستلذّ منك فوانيس الطريق، وسترجلك الأرض لتورق وتزهر وتعبّر عن مشاعرك من جديد، غبارك الذي كان يملؤني غسله المطر وألبسني الابتهاج. عبّر عن روحك الآن في قلب آخر، لم تعد زهرتك تملك العطر.