خلجات النفس بين التأجيل والرحيل
سليمان بن حمد العامري
زمان مضى ينوح من ألم الدهرِ، هيهات هيهات من عمر كيف زُهق؟! يا رب، لا تؤاخذني بأوجاع القلب المشتكِي، فهذا عبدك الضعيف إليك يبتغي ويرتجِي.
يا نفس، بعثري ولملمي همومك وتكلمي جُملا يفوح منها العبقُ…، مسطرًة بقلم وصف كل العبارات.
قررت في لحظة بألا أخاطب أحداً، وسوف أتوقف عن مجالسة من لا أعنيه أبدًا.
سوف أبتعد وأعيش وحيداً منعزلاً بوسط الصحاري القاحلة.
لا أخالط فيها بشرًا ولا أكلم أحداً
بعض البشر يعانون من مرض عضال.
ربما مرض ثقيل ليس له علاجًا إطلاقا.
ألم شديد يوخزهم في صدورهم، وأصبح الران على قلوبهم.
ينافقون ومبتغاهم في الحياة الفساد.
وللأسف، إنهم يظنون بأفعالهم أنهم يحسنون صنعا.
أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم
لَعَلّي أَن أَنالَ بِهِم شَفاعَه
وَأَكرَهُ مَن تِجارَتُهُ المَعاصي
وَلَو كُنّا سَواءً في البِضاعَه
(الإمام الشافعي)
أحيانًا نتوهم أننا معادون أنفسنا بتركنا من أغفل الله قلبه، واتبع هواه، مقطعين روح التفاؤل، فلا نبصر حقيقة الواقع إلا إذا تُلي علينا قول الله تعالى:
“وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا”. (الكهف: ٢٨).
وهنا أظل أفكر لساعات تائهًا بين مخيلة أوهامي، فأسترجع ذكريات حياتي، فمنها ما تؤلمني، وبعضها تسعدني فأكون ما بين ماضٍ جميل وماضٍ تعيس..
ولكني أقف وقفة تأمل، فأعرف أن الحياة ما هي إلا نزهة قصيرة تنقلني إلى دار الآخرة.
تعلمت كثيرًا من هذه الحياة، ورأيت أن هناك من يغادرون دون استئذان، ربما سوف نرحل مثلما رحلوا ذات يوم دون سابق إنذار.
نحن بهذه الحياة وكل من فيها حكم علينا بالرحيل.
نحن جميعا دون استثناء، ولا نعلم عن ساعة المغادرة… فجأة يقال: ذلك رحل وتلك رحلت… فلا تنتظر النهار ولا تنتظر المساء، ولنتب لله كل حين.
وهكذا تطمئن قلوبنا عندما نتلو ونرتل قول الله تعالى: “قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ”.(الزمر :٥٣)