2014
Adsense
مقالات صحفية

يُعَـيّن

خميس بن محسن البادي

قال الله سبحانه وتعالى:-
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }صدق الله العظيم- الآية-6- سورة الحجرات.

كثيرةٌ هي التعيينات التي نسمعها من وقتٍ لآخر في مختلف المناصب، من الوزير وما دون ذلك، مع الأخذ بتنوع المسميات المتعددة في كل المؤسسات العامة خصوصاً، ما بين وكيل إلى مساعد أو نائب، وما يلي ذلك من مديري العموم ومديري الدوائر/ الإدارات ورؤساء الأقسام التابعة، فيتبوّأ هذا المعيّن مكانته الوظيفية (وبالمناسبة هنا لا نعمّم ولكن هم كثير أولئكم المعنيون بهذا)، حيث وقبل أن يبدأ ممارسة مهام عمله الجديد، نجد بعضاً ممن يتواجدون مسبقاً في المكان أو حتى أتوا تالياً قد بدأت مهمتهم في الدوران، فنراهم يقدّمون له ما لذّ وطاب من موائد الطعام والشراب، بل قد يجبرون البعض من زملائهم على التبرع بهذه المأكولات والأشربة تكريماً لهذا المعيّن، ويمثّلون عليه دور التحلّي بالمثالية والنزاهة والإخلاص والأمانة، وهي من جمائل الصفات وحمائدها، حقيقةً لا ريب في ذلك أبداً، لكن هذا إن تحلّى بها المرء في حياته بكمالها خالصة أولاً لوجه لله تعالى ثم لخُلُقِه هو والذي تربّى عليه من غير رياء ولا مراء، ولكن هيهات هيهات لِما يمثلونه ويدّعون به، فما هم إلا فئات نبتت في ذواتهم أهواء مغرضة حادتهم عن درب الصواب وجادّة الحق وحبّ الخير والعمل بإخلاص، فنجدهم وقد أجادوا التمثيل واستعدّوا له جيداً لتأديته على رئيسهم القادم للتوّ، مدّعين له تملقاً بشدة حرصهم على أداء العمل وإتقانهم له ومعرفتهم بأساسياته وأبجدياته وتفكيك شفراته المعقدة، فيحيطوه بإبداء الآراء والخطط وبرامج التنفيذ التي تؤدي إلى جودة العمل ونجاعته المُرضية وإنجازه السريع وادّعائهم بتقديم الأفضل، وأنهم من أصحاب الأفكار التي تُثري المؤسسة باحترافية الأداء والإنتاج، فيُظهرون له من أدائهم ما يعلمون أنه يُسِرّه ويرضاه عنهم، ولو كان ذلك يتعارض كلّه أو بعضه مع الأنظمة والإجراءات المتّبعة والمعمول بها طالما أن ذلك يجعله راضٍ وبانبهار عن أدائهم المتجلي أمامه كشمسٍ ساطعة في سماءٍ صافي، دون درايته بحقيقة الأمر ومأساته على الواقع حتى عُرض عليه كما رآه أمام ناظريه، وفي الوقت عينه يُخفون عنه كل ما سيكون سبباً في نفوره منهم وسخطه عليهم أو زعزعة مصداقيتهم وأمانتهم أمامه وثقته بهم، ولو كان ذات ضرورة من إظهاره أمامه كما هو وعلى حقيقته حتى يجد الحلول المناسبة لإنجازه، وأنه من غير المستبعَد نتيجة ذلك أن تكون ثمّة حقوق قد هُضمت وفي الأدراج حُفظت وعن الأعين أُخفيت ودُسّت، وفي غياهب الإهمال تُركت وأُهملت، ومع النسيان ضُيّعت وباختلاطها مع المصالح تبعثرت وتبخرت، وبعد يقينهم بعدم قدرته على اتّخاذ القرار بدونهم وعجزه عمّا سيجرّه بالقلم على ما صنعوا له على القرطاس دون مشورتهم والعمل بآرائهم، تبدأ لديهم مهمة التربّص بالمخلصين من الموظفين الذين ينتهجون صراط الحق والصلاح في عملهم بغرض التنكيل بهم واختلاقهم كل ما من شأنه أن يشوّه من سمعتهم وجودة عطائهم في أداء واجبهم الوظيفي، كل هذا لأجل إزاحتهم من محيط هذا المسؤول الهمام أو ما قد يقرّبهم إليه، وذلك لمصالح مسبّبة في أنفسهم الدنيئة، دون نظرتهم الإنسانية لِما قد ينجم عنه تصرفهم هذا في حق زميلٍ لهم اتّخذ ضده قراراً ما، بناءً على وشاية مغرضة قبيحة منهم غير صحيحة، ذنْبه الوحيد أن نفسه النقية أبتْ أن تدور في فلكهم المنحرف وتسلك مسلكهم القذر، فيتخذ معاليه/ سعادته/ مديره العام/مديره/ رئيسه بناءً على ذلك قراره التاريخي الظالم في حق ذلكم المسكين الذي لا حول ولا قوّة له إلا الامتثال للأمر ليزداد نفوذ أولئك الظلَمة الذين ينطبق عليهم ورئيسهم قول الحق سبحانه وتعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}صدق الله العظيم الآية-58- سورة الأحزاب.

وقد سُئل الحسن البصري عن أشد الناس صراخاً يوم القيامة، فقال:
رجل رزقه الله منصباً استعان به على ظلم الناس، ولعلّ في ذاك الشاب المخلص في عمله ولا نزكي هنا على الله أحداً ولكن نحسبه كذلك وهو المواظب على أداء عمله بكل أمانة وليس له من شأن عدا إنجاز ما يناط إليه من المتعلقات بواجبات وظيفته والذي طرأ عليه ظرف اجتماعي، مثالاً للتنغيص عليه من مثل هذه الفئة وهو الكافل ليتيمين قصّر وأمّه المسنّة التي تحتاج للمساعدة في قضاء شؤونها الخاصة في البيت إلى جانب الرعاية الطبية التي تساعدها بإرادة الله سبحانه وتعالى على البقاء أمدّ الله في عمرها وعافاها ممّا ابتلاها به، حيث نكّلوا به ونقلوا لذاك القابع على كرسيّه كرئيس للوحدة ما يسوءه عنه، بل وحين واتته الفرصة للعمل في جهة أخرى نتيجة ظروفه الاجتماعية وجد سيئاته المزعومة ضده زوراً وبهتاناً قد سبقته إلى تلكم المؤسسة المنقول إليها وبُسِطت على مصاريعها أمام رئيسها هناك الضامنين اتخاذه للقرار هو الآخَر وفق ما يملونه وأمثالهم عليه، والذي بدوره أخذ بها مصدّقاً لما تم بسطه بين يديه عنه دون أن يتحقق من صدق ما وصله بحقه، لولا لطف الله تعالى به وتسخيره له من سعى إلى التقليل من أهمية ما نُقل وقيل عنه، وإثبات صدق ما يعانيه الشاب من ظروف اجتماعية واجب تقديرها إنسانياً ولو مؤقتاً حتى يقضي الله له أمراً كان مفعولاً، ويتدبر أمره ويتغلب على ظرفه الإنساني الطارئ، وبذلك ظهر الحق وزهق الباطل ودُحض قول الفاسق قبل أن يصاب الموظف المسكين بجهالة الرئيس نتيجة فسق ذلكم الذي جاءه عنه بفسقه.

فيا أيها المعيّنين، خذوا حذركم، وإن الكيّس الفطن هو الحذر مما يدور من حوله، فلتكونوا كذلك وتحسّسوا بطانتكم التقية الصالحة النقية التي تعينكم على الخير والصلاح والهداية والفلاح، خدمةً للوطن والمجتمع، وكونوا مقدّرين لعطاء المرؤوس لديكم الذي بوجوده بينكم وعمله معكم ترقى مؤسساتكم، وبجهوده المخلصة الأمينة يرفع من شأنكم ومكانتكم وسمعتكم، ولا تراهنوا بقراراتكم على صغاركم، فَوَلله ما ذلك إلا ضعفاً فيكم وسوءاً في إدارتكم يستغله باسمكم ضعاف الأنفس لقبحٍ مغرض في ذواتهم، كما هي ليست دعوة للاستبداد بالرأي والانفراد به من مبدأ لا أريكم إلا ما أرى، بل عليكم في الوقت عينه بالمشورة والاستماع لرأي الآخَر والإنصات إليه، ومن ثَم أخذكم الفرصة لبلورة ما توافر لديكم من آراء، والعمل بأفضلها إن وجدتم في ذلك أفضلية، أو اتخاذكم ما ترونه مناسباً بوصفكم السلطة العليا للوحدة التي تنتمون إليها، وذلك من منطلق: لا ضرر ولا ضرار، وبما يحفظ المصلحة العامة وحقوق الموظف، واعلموا أن الوشاية بين زملاء العمل وضعف شخصية المسؤول وتمييزه هذا على ذاك وانحيازه لصالح طرف ضد الطرف الآخر دون حياد وإنصاف، هي عوامل مجتمعة تساعد على كره الموظف المغبون للعمل، وربما يُقْدِم على الاستقالة مكرهاً أو بطلب للنقل مجبراً، كما هي أسباب مساعدة للتقليل من بركة العمل وصلاحه.

واعلموا أن القرارات المصيرية التي تتعلق بحياة ورزق ومستقبل الموظف لديكم إنما هي أمانة شاقّة تلتف حول أعناقكم بحملها الثقيل، فإن كانت تعسفيّة ظالمة فإنكم مساءَلون عنها يوم الحساب، وستجدون خصمكم بجانبكم أمام الحسيب الرقيب، حيث لا ينفع ندمٌ ولا أسف حينها، ولا وقت للاعتذار والتوبة ساعتها، ولذلك لا تجعلوا لكم من بين زملاء المهنة مقرّبين، وانبذوا التحزبات بين العاملين تحت إمرتكم، بل واحذروا من أن تكونوا طرفاً فيها، وتعاملوا مع الجميع بذات المستوى والمسافة، وضَعوا لهم موانع ليس لأيــّهم حقاً في تجاوزها أو تعديها، واستمعوا لمن نُـقِل إليكم عنه سيئاً فلعلّ في جعبته ما يقدمه لكم دفاعاً عن نفسه، تجدونه عند الاستماع إليه على نقيض ما قيل عنه ونُقل إليكم، ومن الطيبين الأخيار الذين سبقوكم في المناصب القيادية المغادرين منهم والباقين – مؤكدين هنا على الثقات منهم فقط لأن ثمّة أيضاً من هم تركوا اتخاذ القرار للملأ من حولهم- خذوا العبر الطيبة والسيرة الحسنة وتطلعوا إلى طرق تعاملهم مع المرؤوسين، ولتكن دروساً مستفادة لكم، بل واجعلوا منها سراجاً ونهجاً واضح العيان تسيرون عليه في ما كُلفتم به وأوكل إليكم من عمل خدمةً لهذا البلد الغالي المعطاء وأبناء شعبه الكرام الأوفياء، ووالله إن بذلك يصلح لكم جلّت قدرته أعمالكم، ويبارك لكم فيما أعطاكم، ويهديكم سبيل الرشاد، وييسر مساعيكم الخيّرة، وتدّخرون من ذلك ذكرى طيبة حسنة في الدارين يشهد بها لكم من نال شيئاً من حسناتكم الخالصة لوجه الله تعالى.

وقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة النحل{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }صدق الله العظيم، الآية(97).

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights