الاكتئاب (1)
د. إنعام بنت محمد المقيمية
الوقت هو الوحيد الذي يتعلم فيه معظمنا، فحين نتلقى ضربة موجعة قد تتجاوز فهمنا في ذاك الوقت لكن أثرها سيبقى لنا درسًا! ولتكمل أرنبة حديثنا….
ففي صبيحة أحد الأيام وصل خطاب إلى القسم؛ لتنظيم اجتماع عاجل؛ للتعرف على المدير العام الجديد، كان دبًا يكسوه الفرو البني، يمتلك عينًا لامعه، نادرا ما كانت تظهر أنيابه عند الحديث، بعد أن رحب بنا وتحدث بعقلية متفتحة ورحب بالأفكار الملهمة، وجدت نفسي أتحدث بكل أريحية، وأقدم أفكاري ومن ضمنها رغبتي في تقديم ورش ومحاضرات في المدارس في الجانب النفسي، فرحب بالفكرة وأيدها وقال: “خذي من عندي اللون الأخضر”، فابتهجت ونظرت إلى رئيسي الثعلب قلت: “ما رأيك؟” فأظهر ضحكةً ماكرةً، وقال: “نحن على قول المدير العام”! لم أدرك حينها مراوغته.
وفي أول لقاء لي مع إحدى المدارس لم أجد اسمي في قائمة الحضور مع علم الرئيس بحضوري للمدرسة، لكنه رفع اسمي وكأني متغيبة في ذاك اليوم، ارتبكت وفي ذهني ألف سؤال!. بعد انتهاء عملي من المدرسة ذهبت إلى مقر عملي تلقاني القرد ناصحا:” الرئيس لا يعجبه خروج أي أحد من القسم يريد أن يرى الجميع أمام عينيه طيلة فترة العمل”! اشتطت غضبا، قلت بانفعال: “ألم يأذن لي بعد حديثنا مع المدير العام”؟ قال: “ذاك مجرد كلام، لا يشفع لك ما لم يكن هناك رسالة رسمية”؟!!! قلت: “ماذا يعني كل هذا” ؟ قال: “يعني إذا خرجت لأي مدرسة فلن تجدي اسمك في قائمة الحضور وستكوني غائبة” . وجدت نفسي واقفة أمام مكتبه، ولأول مرة وقد كانت الأخيرة قائلة له: “بعد كل سنوات العمل التي قضيتها بين جدران هذا المكتب لم تجد ولن تجد أي ثغرة في إخلاصي لعملي” .
بعد موجه الغضب تلك أزحت عن نفسي ذاك القناع الزائف والظلم الذي وقع علي، ففي كل مرة كنت أحاول مواجهة مخاوفي وأعبر عن أفكاري ومشاعري تجاه تسلطه، كان هو يسعى بطريقة ما يبحث عن ثغرة ليحطمني. فقد رفض تطبيق برنامج دراستي النفسية على العاملين في الإدارة رغم محاولتي في إقناعه مدى تأثر الجانب النفسي في العاملين في محيط العمل، تجاهلني، فطرقت باب المدير وأخذت إذنا رسميا. طُبِق البرنامج بنجاح، وكان له أثر في نفوس العاملين، كان طرحا مبدعا من نوعه، وحصلت على درجة الامتياز.
فرحت بما توصلت إليه من مكانة علمية؛ لذا توقعت أن الوسط سيفرح لي، ولكن الواقع غير المتوقع. ففي اللحظة التي بدأت أظن بأن رحلتي هنا انتهت كانت هي البداية، وفي لحظة تحرري من مخاوفي والتغلب على قلقي وجدت نفسي قد انطفأت! وغمامة سوداء حطت على حياتي فلم يبق فيها لون!، وتجري سنة الحياة فلا فرح يبقى ولا حزن يدوم.
للحديث بقية…