2024
Adsense
مقالات صحفية

الإعلام وتأثيره في الخلفية الثقافية للطفل

عصام بن راشد المغيزوي

مع التطور الهائل الذي شهدته التكنولوجيا في العصر الحالي، شهدت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها ثورة هائلة ساهمت في طريقة وسرعة نقل المعلومات. فمع وجود وسائل التواصل الاجتماعي تمكنت وسائل الإعلام من إيصال الأخبار بسرعة وكفاءة عالية، فالبرامج الإخبارية التي لم تشاهدها لحظة وقوعها، ستتمكن من مشاهدتها في الإعادة والبرامج الثقافية التي تشاهدها في موعد عرضها، ستتمكن من إيجاد تسجيل كامل لها في موقع القناة الإلكتروني التي قامت بعرضها.

تلعب وسائل الإعلام بمختلف وسائلها دورًا حيويًا في كتابة تاريخ الشعوب والحفاظ على ثقافة الأمم، وعليها تقع مسؤولية إعداد المجتمعات لاستقبال العادات الجديدة أو رفض السلوكيات الغريبة، فالوسائل الإعلامية بمختلف مشاربها قد تكون سببًا لنهضة الأمم، وقد تكون سبباً لهدمها، فهي سلاح ذو حدين يتحكم في سلوكيات وقناعات الأمم.

وفي الآونة الأخيرة لوحظ توجه بعض وسائل الإعلام لتشويه الحقائق التاريخية، وهدم الموروثات الحضارية المتعلقة بالأمم الأخرى مستغلة الإمكانيات الهائلة التي أتيحت من قبل الشبكة العنكبوتية. لا يمكنني الجدال مع رأي القائلين بأن الإعلام أصبح بإمكانياته الهائلة عاملاً فعالاً في حياة الأمم، فهو يقدم أفكارًا، ويؤسس لقيم ومعتقدات جديدة، ويعبد الطريق لتقبل سلوكيات ومواقف قد تؤثر في تعاملات أفراد المجتمع الواحد مع بعضهم البعض، ولا يمكن تجاهل أو إنكار دور الإعلام إلا من قبل أناس مغيبين عن الواقع. إن الإيمان بأهمية الإعلام من قبل بعض أفراد المجتمع، وتجاهل دوره من الآخرين سيعمل على خلق مجتمع يتفاوت أفراده ثقافة وسلوكًا.

تمثل نسبة الأطفال شريحة كبيرة من المجتمع العماني، كما أن مرحلة الطفولة هي مرحلة حاسمة، وذات أهمية قصوى في حياة الإنسان؛ حيث يبدأ الإنسان خلال هذه المرحلة باكتساب المعتقدات والقيم، ويخطو الطفل خطواته الأولى في عالم التسلح بالعلم والمعرفة ليتجه بعدها ليكون عضوًا في المجتمع.

يلعب الإعلام دورًا حاسمًا في تنشئة الطفل من خلال إمداده بمجموعة من الأفكار. ووفقاً للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات فإن نسبة الأطفال (0-17) سنة من إجمالي الذكور العمانيين بلغت 43.8% بينما وصلت نسبة الإناث إلى 42.9% من إجمالي الإناث العمانيات في عام 2021، (1) ولا يمكن إنكار دور الإعلام العظيم في تربية الأطفال ليلعبوا دورًا فاعلًا في مستقبل مجتمعاتهم. إن الإيمان بدور الإعلام في تسليح الأطفال بسلاحي العلم والمعرفة يضع مسؤولية كبيرة على عاتق العاملين في هذا المجال الحيوي، فالرعاية وإظهار الاهتمام بالطفل لا تقتصر على المنزل أو المدرسة فقط، ولكنها تتعدى ذلك لتشمل البيئة المحيطة والإعلام.

لا يقتصر دور وسائل الإعلام على الاهتمام بالأطفال اجتماعيًا، ولكنه يتعدى ذلك ليشمل الاهتمام به سلوكيًا ونفسيًا، ومن هنا تبرز أهمية وسائل الإعلام السمعية والبصرية والكتابة الموجهة لفئة الأطفال كوسائل مساهمة في تكوين الشخصية السليمة للطفل.

لقد أولى الكثير من الإعلاميين والأدباء أهمية كبيرة بمرحلة الطفولة، فتوجهت أقلامهم وبرامجهم لدعم هذه المرحلة الحساسة، وتوجيه سلوكياتهم وميولهم وصقل مواهبهم لخدمة هذا الوطن الغالي.

إن محاولة التغريب وبث السموم وإدخال بعض العادات التي لا تناسب مجتمعنا وبيئتنا لخطر داهم يهدد البناء السليم لثقافة الأطفال، وما يزيد خطورة هذه المحاولات هي كون الأطفال أحد هذه الفئات التي تسعى دائرة التغريب لاحتوائها؛ وذلك نظرًا لكونها أكثر فئات المجتمع تأثرًا بالأفكار الجديدة. ومن هنا يتعين علينا إيجاد بيئة إعلام صديقة للطفل تعمل على توجيه جهوده لبناء أمته، ويشكل الشخصية المستقبلية التي يرغب بها مجتمعه. إن التنشئة الاجتماعية تتعدى في حدودها محيط الأسرة؛ لتشمل البيئة الإعلامية لكون الوسط الإعلامي بيئة حيوية في التنشئة والتثقيف والوعي. وتتعدد منابع الثقافة لدى الأطفال لتشمل: برامج الأطفال ومجلات الأطفال، فهما البيئة الأولى التي يبدأ فيها الطفل التفاعل مع محيطه.

برامج الأطفال هي: تلك البرامج الموجهة بصورة مباشرة للأطفال ومن خلالها يتمكن الطفل من إدراك بعض الحقائق عن عالمه الخارجي؛ حيث تلعب هذه البرامج دورًا حيويًا في تثقيف وتقديم المتعة للأطفال، الأمر الذي يسهم في فتح أبواب المعرفة، وتوجيه الميول المستقبلية لهذه المرحلة العمرية. غالبًا ما تتنوع البرامج التي تستهدف هذه الفئة: بين البرامج التعليمية والبرامج الترفيهية التي عادة ما تكون مصحوبة بالرسومات الممزوجة بالأناشيد، أو بعض المسابقات التي تهدف لزرع روح التنافس لدى هذه الفئة. من هنا يتضح لنا جلياً أن وسائل الإعلام بمثابة حديقة يُعبر من خلالها الأطفال عن أحلامهم وطموحاتهم، ولوحة تترجم ميول هذه الفئة وتعمل على تنمية قدراتهم وميولهم. فهي تحاكي عالمهم الواقعي عن طريق فهم ميولهم وأفكارهم، وتتبنى مواهبهم وتفتح لهم أبواب تطويرها. كما أن وسائل الإعلام تعمل على سرد قصص التاريخ ومنجزات الأمم عبر شخصيات كرتونية تؤثر بشكل كبير في سلوكيات وأفكار هذه المرحلة، فيقومون بتقليدها لا شعوريًا عن طريق تقليد تصرفات تلك الشخصيات، وتصديق كل الكلمات الصادرة عنها. كما أن البيئة الإعلامية تلعب دورًا بارزًا في تنمية المهارات القرائية والكتابية والحصيلة اللغوية للطفل، يضاف إلى ذلك تأثير الوسط الإعلامي على المركز المحيط به، وطريقة اكتسابه لخبرات الحياة، والأثر الذي تتركه البرامج الموجهة لهذه المرحلة على نفسية الأطفال وعلى نموه العقلي ومستوى ذكائه.

مع التطور الهائل الذي شهدته وسائل الإعلام، ومع التقدم الذي يتوقع أن تشهده البيئة الإعلامية في المرحلة القادمة، سيبقى تطوير في برامج الأطفال أمرًا حتميًا، والتجديد ضرورة لا غنى عنها، ولكن لابد أن يصب هذا التطور في مصلحة الهدف العام الذي طور لأجله وهو إيجاد التوازن بين كفتي المتعة والتعليم، ما سيؤدي إلى تنمية سلوكيات الطفل، وتوجيه قدراته نحو خدمة وطنه وأمته، وسيعمل على تطويره مع بقية الوسائل التربوية في المجتمع.

لقد أشارت دراسة تم نشرها في 2 ديسمبر من عام 2019م وتم نشرها عن طريق المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في السلطنة بأن عدد ساعات البرامج التي استهدفت فئة الأطفال والتي تم تقديمها في تلفزيون سلطنة عمان والقنوات الخاصة لم يتعدى 1167 ساعة في سنة 2018م، ولم يتجاوز عدد ساعات البرامج الإذاعية الموجهة لذات الفئة 275م في ذات السنة، ويغلب على تلك البرامج طابع إبراز المواهب والمحاورة مع إهمال الجوانب النفسية والعقلية للطفل العماني (2). إن غياب المواد الإعلامية المناسبة لتنمية الجوانب الفكرية والعلمية للطفل العماني، أو حتى وجود برامج تعزز من انتمائه لوطنه وتنمي من اعتزازه بتاريخ بلاده التليد أدى إلى توجه الطفل العماني للإعلام الخارجي؛ ليبحث عن إجابات لم يجدها في الإعلام المحلي. إن وجود تطور كبير في الوسائل الإعلامية التي تمتلكها دول الجوار، وتوجه الطفل العماني لاستقاء المعلومات منها كان له انعكاس سلبي على مختلف جوانب حياة أطفالنا، وغيبت معه المفردات الوطنية.

لقد أدرك مجلس الشورى أهمية إيجاد حل لهذه المشكلة، فقام خلال جلسته الاعتيادية الرابعة لدور الانعقاد السنوي الأول (2020/2019م) بتاريخ 7 يناير 2020م باعتماد دراسة حول “واقع إعلام الطفل في سلطنة عمان ومقترحات تطويره”، لقد أفضت الدراسة إلى مجموعة من المقترحات التي ستساعد مستقبلاً في النهوض بإعلام الطفل في السلطنة.

إن بناء إعلام متخصص بخدمة أطفال هذا البلد الغالي، وتوجيههم فكريًا وعاطفيًا، وترسيخ مبدأ الوطنية لديهم لضرورة ملحة لما لهو من منافع جمة لا تعد ولا تحصى.

____________________
(1) المركز الوطني للإحصاء.
(2) المرجع السابق.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights