المدرسة …. حياة تكوين شخصية الفرد، وعلاقته الاجتماعية

د.محمد بن أحمد بن خالد البرواني
محمد للاستشارات الإدارية والتربوية
alnigim@gmail.com
يرى العلماء بأن درجة المرونة التي تتوافر في شخصية الفرد تساعده في أن يقوم بأدوار متعددة في الجماعة، وهي تدخل في الإطار العام لشخصيته، بالإضافة إلى مدى تنفيذ الأفراد المتعاملين مع هذه الشخصية واستجابتهم معه، كما أنّ الموقف وأهميته وخصائصه يعد من العوامل التي تؤثر في النمط النوعي للشخصية، وكذلك طبيعة العمل المشترك ونوع المناقشة وطبيعتها وخصائص البيئة الطبيعية التي يوجد بها أفراد الجماعة. ويتفق علماء النفس الاجتماعي على أن التطبيع الاجتماعي هو العملية التي تتناول الكائن الإنساني البيولوجي لتحوله إلى كائن اجتماعي وهو إكساب الفرد سلوكا ومعايير اجتماعية تمكنّه من مسايرة الجماعة التي يعيش فيها كما تكسبه السّلوك المناسب للأدوار الاجتماعية المتاحة له والمتوقعة منه (السيد، 2014).
إنّ الفرد قابل للتعلم بحكم ميراثه البيولوجي الذي يسمح بهذه العملية بل ويجعلها ضرورية لكل منا بالإضافة إلى انخراطه في الجماعة وتأثره بها ومعرفته لقيمها ومعاييرها وكذلك أدواره ومكانته الاجتماعية التي تساعد على هذا التفاعل، فإنّ من السهولة العمل على تطلعات هؤلاء الأفراد وتوجهاتهم من خلال بيئتهم؛ ومن ثَمَّ تنشئتهم اجتماعيا لتحقيق غاية التربية والتعليم وفلسفتها وأهدافها التي تنبع من هذه المعايير والقيم المجتمعية، بالإضافة إلى قابلية الإنسان على التعلّم وقدرته على التعاطف والتفاعل، ومن هنا فإنّ عملية تشكيل الجماعة والأفراد يمكن إحداثها من خلال تدريب الجماعات والأفراد في ضوء معايير الجماعة وقيمها ومبادئها، ويتم التدريب وفق (جوردون) للقيادة من خلال:
– تشجيع اشتراك أعضاء الجماعة وتحميلهم المسؤولية بدلا من تركيزها في القائد.
– عدم فرض القائد لبناء معين أو إجراءات مقننة، مثل المحاضرات اليومية.
– السماح بالاتصال والتفاعل بين الأعضاء.
– تحديد دور القائد طبقا لحاجات الجماعة بدلا من أن يحدده القائد نفسه.
، وذلك ينطبق على تشكيل الأبناء في الأسرة، فمن الأهمية تشجيع الأبناء وتحميلهم المسؤولية من خلال إعطاء مهام للأبناء كل وفق مستواه العمري، فلا يمكن أن ينشأ الناشئة وهو كلّ على والده، فلا يستوي من هو عامل فاعل منفق كمن هو خامل كسول، وهي أمثال ضربها الله عز وجل في كتابه الكريم (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْءٍۢ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَىٰهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِى هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ). (النحل: الآية 76).
إنّ الاهتمام بالنشء وإكسابه الثقة والمعرفة والخبرة لا يجب أن تنمو معه يوما بعد يوم من خلال البحث ليس في الكتاب بل في الطبيعة كبدائل الشراء والخيارات الأفضل في السّلع وتركيبات التالف في المنزل كبدائل طرق المعالجة واختيار الأدوات الشخصية وتنوع اختيار الغذاء، كلّ ذلك في غاية الأهمية، وهي تحقق جوانب الاتصال والتفاعل لدى الناشئة التي تعينه على اكتساب الخبرات اليومية، كالقدرة على التصرف في المواقف المختلفة، وتقديم دوره في الأسرة والاعتداد به، وإظهار مهاراته وتوجهاته.
إن دور الأب في أسرته والمعلم في مدرسته العمل على ترك المجال للأبناء على إظهار مهاراتهم وابتكاراتهم وإضافاتهم في المهام الموكلة لهم ضمن الفريق، كالأسرة أو رفاق الصف تتيح لهم التحكم في انفعالاتهم وتساعدهم على توجيه مشاعرهم وعواطفهم إلى نمو الأسرة وتقدمها وتفاعلها، مما يبعد عنها كل ما يريبها ويجعلها أسرة متحابة متعاونة كلّ من أعضائها يكمل الاخر، ويتغلّب على ما يعترض الأبناء من تحديات وما تواجههم من عقبات، كتلك التي يرونها مع أقرانهم فيكونون محصنين من كلِّ آفة ومتماسكين؛ بحيث لا تصدع بنيانهم هزات، فهم مرصوصون لا يتداعون ولا ينهزمون، وإن مرّ عليهم طائف بشري فتربيتهم الروحية أقوى من أن تزعزعها ريح أو يحطّ من عزيمتها محبّط.
ما يزعزع المجتمع الوظيفي في مجتمعاتنا هو الاعتماد على الفرد الواحد دون غيره، متناسين بأن البشر مكملون لبعضهم بعضا، فلا رأي إلا لرئيس العمل، ولا فكر يعلو عليه، ولا رأي إلا يقرّه هو، وإن كان هداما فلا بأس يتم تناسيه، ولا تتم معالجته دون النظر إلى المخاطر أو الخسائر، فما فعله لا يمكن أن يناقشه فيه أحد، وإن حاول أحدهم ذلك فهو منبوذ مشاكس ومزعج منقّر تتداول أفكاره في مجالسهم بالقهقهات والاشمئزاز، وكلُّ ذلك نتاج التنشئة التي تنشأ عليها الفرد وإهمال دوره في إنجاح الأسرة وضعف التواصل بين أفرادها سوى بأسلوب الأمر والنهي، وهو أسلوب لا يحقق التربية الروحية السليمة التي تدعو إلى الاتصال وإبداء الرأي وحرية الفكر وتقديره وتوجيهه، بما يتفق مع عقيدتنا السمحة السليمة.