الخوف
د. إنعام بنت محمد المقيمية
حكاية أرنبة في غابة أمان، قد يراها البعض بأنها إسقاطات شخصية، وقد يراها البعض بأنها حكاية رمزية، وفي كل الأحوال هي حكاية لا نتمناها أن تحدث بين البشر.
تابعت أرنبة سرد قصتها في العالم الجديد، في عالمٍ الأغلبية فيه تسعى لإرضاء السلطة العليا عبر أقنعة مزيفة.
في أول يوم لي استقبلتُ الجميع بابتسامةٍ عريضة، في محاولة لكسب الودّ، والتعرف عليهم.
كنت على طبيعتي، روح نقية طيبة تتقن لغة الحب، واضحة في كلامي، بسيطة في تعاملي، اتّخذتُ من مكتبي مغارتي الجديدة، هنا أقلامي، وهنا حاسوبي، هذه كتبي، كنت أنجزُ عملي بكل أريَحية، بعيداً عن ضجيج المدرسة، وأقضي باقي وقتي في القراءة، عندما كانت بقية الحيوانات تقضي وقتها في الثرثرة وشرب القهوة، تحت ظلال الأشجار الكثيفة.
لكن الوضع سرعان ما تغير، كنت أستمع لحديثهم بأنني منشغلة في دراستي ومهملة لأعمالي، ومنهم من يستهزئ قائلاً:
بما ان أرنبة عندها وقت لقراءة دروسها، فيمكن أن تُكلّف بأعمال إضافية، وأن الدارسة ليست في وقت العمل، والكثير من الكلام الذي كان يخنقني، لم أستطع المقاومة حينها، فاضطررت لألبس أقنعة متنوعة لأثبت وجودي في العمل.
لقد تبنيت استراتيجيات وسلوكيات وأتقنت أدواراً مختلفة لكسب رضاهم، سواء بوعي أو بدون وعي.
كنت أتوقع منها إخفاء شخصيتي الحقيقية، ولكنها كانت وسيلة هروب ومحاولة لإنفاذ روحي.
وجدت نفسي أرتدي قناع القطّ الوديع راضية، لكوني جزءا من الجماعة، ومن الممكن أن يحدث هذا الاختلاف، كنت أقوم بعمل ما يرضيهم، لا أُظهر كتبي على سطح المكتب، وإذا انتهيت من عملي أقوم بمساعدة من لم ينتهِ من عمله، وأشاركهم الثرثرة لأجد استحسانهم وابتسامتهم لي كمكافأة. ولكن في داخلي شعور بالوحدة والخواء من الداخل، من هنا بدأ سلّم الحاجات النفسية يتزعزع لديّ.
لم أستطع أن أتصرف على سجيتي، لم أستطع مواجهة مشكلتي، زعزعت ثقتي وتقديري لذاتي، لقد انتابني الخوف.
نعم إنه الخوف.
فقد ينشأ الخوف طبيعياً كمحاولة لحماية الذات من خطر ما، وتحدث الاستجابة إمّا بالمواجهة أو بالهروب، وهذا يعتمد على نشأة الشخص، ومدى إدراكه لهذا الخطر.
فالخوف محطة يمكن أن تتجاوزها، والبقاء فيها طويلاً سيجرّ ما قبع داخلك من غضب وغيرة وقلق واكتئاب، فالخوف هو أمر أكثر تعقيداً من مجرد نسيان أو حذف الذكريات، إنه كتلة من الألم، وثقل يخلّف دماراً نفسياً وجسدياً، إنه مدخلٌ للاكتئاب لمن لا يتداركه.
والعلاج الفعال ينطوي على مواجهة المخاوف وتعديل الأفكار وإصلاح المشاعر، فعندما يوجد الخوف يُدفن الحبّ.
وللحديث بقية.