الحاجة إلى السفر
محمد علي البدوي
أسباب السفر كثيرة منها ما هو شخصي لمجرد الحصول على المتعة والرفاهية، ومنها ما هو علمي بغرض البحث والاستكشاف، ومنها ما هو لأسباب أخرى، منها التجارة، أو الاستثمار.
وبصفة عامة تتيح السياحة لجميع أنماط البشر فرصة التعرف على عوالم وثقافات مختلفة، وتفتح أبواب التعاون بين الدول والهيئات من أجل المنفعة المشتركة.
وقد تم الاتفاق بين المتخصصين في القطاع السياحي على أن مصطلح السفر يعني السياحة، وأن السفر هو المرادف الأكثر شيوعا لكلمة السياحة.
الإنسان الأول عرف السفر للبحث عن الطعام والشراب والمسكن، ثم تطور الهدف من السفر حتى تحول إلى تجارة عالمية تدر الملايين على المنظمين لهذا النشاط الإنساني.
يحاول البعض التقليل من أهمية السفر، وخاصة في الدول التي تعاني من أوضاع اقتصادية منخفضة أو تلك التي تتميز بثقافة الانغلاق، وترفض التواصل مع الآخرين خوفا على الثقافة المحلية من أن يصيبها ما تعتقد أنه قد يغير من نمط الحياة التي تعودوا عليها لسنوات طويلة.
لذلك نرى في كثير من بلدان العالم الثالث تراجع فكرة السفر الداخلي، وعدم اهتمام غالبية مواطني هذه الدول بالتنقل داخل أوطانهم رغم المجهودات المبذولة لتشجيع السياحة الداخلية.
هذا فضلا عن تدني الأوضاع الاقتصادية؛ مما يجعل مجرد التفكير في السفر نوعا من العبث.
معظم الإحصائيات تشير إلى تراجع السياحة الداخلية في معظم البلدان الفقيرة، وهذه نتائج منطقية للفقر وعدم انتشار ثقافة السفر، فضلا عن تراجع خطط التسويق، وعدم اهتمامها بالتسويق للسياحة الداخلية.
السفر فكرة لا يمكن أن تنجح إلا بالإيمان بها أولا، الغرب عندما زرع في وجدان مواطنيه أن السفر حق أصيل، مثل الحق في التعليم والعلاج؛ من هنا تحول السفر إلى التزام بموجب التشريعات، وأصبح لزاما على أصحاب الأعمال إعطاء الأجازات لموظفيهم.
ونجاح أي فكرة يرتبط بقدرة صاحبها على الإقناع، وفي ظل عالم اليوم المليء بالتقلبات لابد أن يقوم الإقناع على شرح ما سيجنيه المستهلك من مكاسب مادية ومعنوية.
فالمواطن الذي يسافر يعرف مسبقا أن هناك فوائد مادية، وأخرى معنوية سوف يجنيها.
السفر من أجل السفر فكرة ترسخت في عقل ووجدان الأوروبيين من خلال دمجها بصورة مباشرة بحقوق العمال، إبان فترة الثورة الصناعية مما أدى إلى نمو الفكرة وتحولها إلى عقيدة راسخة.
لذلك فالسفر بالنسبة لهم أصبح ممارسة أساسية على خريطة حياتهم، يحقق لهم الإشباع المعنوي، ويوفر لهم (ولو لمدة قصيرة) كثيرا من الرغبات.
كما أن الدول التي تتمتع بالشفافية آمنت بفكرة السفر كوسيلة فاعلة في تحقيق العدل الاجتماعي والأمان النفسي، فالسفر يوفر ما لا توفره قطاعات أخرى.
وبسبب تقدم التشريعات في الدول المتقدمة والحرص على مصلحة المواطن وانتشار التكنولوجيا الحديثة لم يعد المواطن هناك بحاجة إلى بذل مجهود كبير ليقوم بحجز وتنظيم عطلته، فقد وفرت له الإمكانيات الحديثة كل شيء، حتى أصبح بمقدوره أن يتمم حجز رحلته وهو جالس في غرفة نومه،كما أن الأنظمة المصرفية الحديثة شجعته على الاقتراض بكل سهولة؛ ليستطيع دفع تكاليف الرحلة؛ مما ساعد في زيادة أعداد الراغبين في السفر.
ولعلك تلاحظ أن معظم الدول الأوروبية تعد دولا مصدرة ومستقبلة للسياحة في آن واحد، فهي من ناحية تفتح الأبواب لمواطنيها ليسافروا أينما شاؤوا، وفي المقابل تستقبل ملايين السياح سنويا، على عكس دول العالم الثالث التي إما أن تكون مصدرة أو مستقبلة فقط.
والحاجة إلى السفر تظل غريزة أساسية على الإنسان إشباعها، ولن تستطيع المعوقات أن توقفه أو تعطله؛ فالغرائز لا يتم طمسها بل إشباعها بالطرق السوية.
حفظ الله شعوبنا العربية.