لا تكن نسخة
ناصر بن سالم آل عبدالسلام
يقول مارثن لوثر كينغ أحد المشاهير والمفكرين: “لا بأس من الاستفادة من تجارب الغير، لكن تقليد الآخرين لا يعني أنك ستحصل على ما حصلوا عليه”.
نعم، فمن خلال استقرائنا لتلك المقولة، أبان لنا المفكر أن الاستفادة من تجارب الآخرين قد تكون مفيدة أحياناً، أو ربما تخدمك في بعض الظروف التي تتلاءم بطبيعة الحال مع الحدث، ولكن الأهم من كل ذلك، أنك ليس بالضرورة أن تحصل على ما حصلوا عليه.
وما أكثر الأمثلة على التقليد في زماننا هذا، ولا أقرب من ذلك المثال إلا المرض العضال الذي تفشى مؤخرا في أوساط المجتمع، والذي عُرف بمرض (سبق الخبر)، حتى أصبح الناس يتهافتون عليه، كما لو أنهم يتسابقون لبلوغ خط النهاية.
يقول المولى عز وجل في محكم كتابه العزيز: “وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ” 171 البقرة.
ففي هذه الآية الكريمة دلالة واضحة عن الكافرين، والتي بيَّن الله تعالى فيها عدم انقيادهم لِمَا جاءت به الرسل، وأنهم مصرون على عنادهم مستكبرون، فشبههم الله بالبهائم التي ينعق لها راعيها، وليس لها علم بما يقول أو يهرف،
فمثلهم كمثل ذلك، لا يفقهون للحق، ولا يعوون له، فلهذا كانوا صما لا يسمعون الحق سماع فهم وقبول، أي أنهم لا يتدبرون، ولا يفهمون ماهيته، إنما هم غير قابلين للحق أصلا.
والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، أي أولئك الذين لا يتدبرون ولا يفهمون ماهية ما يقرأون، أو يكتبون، أو يشاهدون، أو يسمعون، خاصة بعدما أصبح السلاح ذو الحدين يغزو بيوتنا ويؤرق نومنا، ويوقظ فينا البعد عن فعل الخيرات، وحب المنكرات، وكره المساكين!!!
كيف لا، ونحن نستقبل في اليوم الواحد أفواجا من الرسائل والمحادثات والمقاطع، لا نعلم ماهيتها ومدى صحتها، أو من أين مصدرها! بل والأدهى من ذلك والأمرّ، أننا سرعان ما نقوم بإعادة إرسالها، (قص ولصق )!!
ناهيك عن الاستعجال في نقل بعض الأخبار المفجعة، والتي تصل إلينا بين الفينة والأخرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تخبرنا بحدوث كارثة أو وفاة قريب، أو حبيب، أو صديق، ثم بعد دقائق معدودة تأتي رسالة أخرى لتنفي الخبر، زعما أنها (إشاعة) .
بل إنه وصل الحال بهؤلاء إلى أن يحرفوا كلام المصطفى في تناقل أحاديث مغلوطة، لا تمت للنبي محمد ﷺ باي صلة، دون أن يتثبتوا من صحتها، (قص ولصق).
أخيرا أخي العاقل:
كن أنت كما تحب أن تكون شخصاً منفردا، مختلفا، متميزا عن الآخرين.
لا تكن نسخة في إعادة إرسال لكل ما يصل إليك دون أن تعي وتعلم ماهية ما قمت بإعادة نشره .
لا تكن نسخة في مشترياتك، أو في اقتنائك لمركبتك، لأنك مختلف عن غيرك، فمستلزماتك، ومقتنياتك، واحتياجاتك تختلف عن مستلزمات غيرك باختلاف دخلك .
لا تكن نسخة في طريقة كلامك، في تصرفاتك، أو في أسلوبك، بل اجعل لشخصيتك لونا خاصا، ونمطا خاصا بما يرضي الله، فالله تعالى يقول: “وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَٰنِكُمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّلْعَٰلِمِينَ) 22 الروم.
لا تكن نسخة في اختيارك لبناء مستقبلك، أو تكوين حياتك، فالبعض وصل بهم الحال أن يكون نسخة طبق الأصل لصديقه، أو قريب له، حتى في اختياره لتخصصه العلمي، حتى بلغ به الحال أن يسأله هاتفيا: (مرحبا لقد علمت أنك في التخصص (الفلاني)، من فضلك سأرسل لك أوراقي لتسجيلي بذات التخصص كي نتسلى سويا!!).
لا تكن نسخة في تربيتك لأولادك، فمن الطبيعي بل ومن اللازم أن تتعارض الآراء في تربية الأبناء؛ وذلك بسبب اختلاف الثقافات، فالتربية علم وفن، بل هو أخطر التخصصات وأدقها.
لا تكن نسخة لغيرك في تعاملك مع زوجتك، فالكثير منا يتعمد إهانة الزوجة، والإساءة إليها، بل ويظهر ذلك للآخرين الذين يتوهمون أنها الطريقة المثلى لإذلال الزوجة وانصياعها لأوامره، فلم يعلم أن الزواج علاقة مقدسة، وأنه سيسأل عنها، أي الزوجة يوم القيامة، وفي ذلك يقول الله عز وجل: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف” من 19 النساء، ويقول أيضا: (ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) من 228 البقرة.
ختاما، لقد كرمنا الله على كثير من خلقه، حيث قال عز من قائل: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” 70 الإسراء.