السياحة ظاهرة عالمية
محمد علي البدوي
شهدت الألفية الجديدة إهتمامًا متزايدًا بظاهرة قضاء الأفراد لأوقات فراغهم، وخاصة أوقات الترفيه البعيدة عن مسؤوليات العمل، وقد أشار بعض المتخصصين إلى أن الوقت الذي نقضيه في الترفيه هو الذي يشكل مجري حياتنا؛ وهذا يفسر سر إهتمام الأفراد بالكيفية التي سيقضون بها أوقات فراغهم.
من هنا ظهرت كلمة (سياحة)، وهو ما يعني قضاء أوقات الفراغ في ممارسة أنشطة معينة تميزها عن غيرها من الأوقات. وما يميز السياحة عن غيرها أنها نشاط إختياري يمكن لكل فرد أن يمارسها بالطريقة التي يراها مناسبة له من كافة النواحي.
ووفقًا للإحصائيات العالمية، فإن معدل نمو السياحة من الجانب الإقتصادي يفوق معدلات النمو الإقتصادية في كثير من الدول، ولقد أصبحت السياحة ترتبط في حياة الفرد بالشعور بالرضى النفسي والروحي، حيث أنها تتيح له فرصة نيل قسط من الراحة والتخلص من الضغوط التي يتعرض لها يوميًا في مجال عمله، وتساعد الفرد في تغيير نمط حياته وتجديد نشاطه.
أصبحت السياحة(في الدول المتقدمة) حقًا أساسيًا لكل فرد وموثقًا من قبل التشريعات، أما بالنسبة للدول النامية، فقد أصبحت السياحة حلًا من الحلول التي تستخدمها هذه الدول لمحاربة الفقر والبطالة وتحقيق النمو الإقتصادي.
وأصبح السفر حول العالم لاسيما في الدول الغنية متاحًا لجميع طبقات المجتمع، ويرجع السبب في ذلك إلى ظهور العديد من شركات الطيران التي تتنافس فيما بينها لتقديم أفضل العروض. وللسفر متعة خاصة، ولكن التكاليف المالية كانت تقف حاجزًا بين الرغبة في السفر وبين القدرة على الدفع، ومع ظهور البطاقات الإئتمانية تغير الوضع وأصبح بإمكان معظم الأفراد الحصول على قروض صغيرة للقيام برحلة ما.
ومع التقدم الكبير في معظم المجالات وظهور الإنترنت أصبح بإستطاعة الأفراد الحجز عن طريق الإنترنت، بل أصبح بمقدور الأفراد عمل جولات إفتراضية داخل الفنادق والمنشآت السياحية؛ مما سهل عملية التواصل بين الأفراد والأنظمة السياحية، ووفر الكثير من الوقت والجهد والمال.
فقديمًا كان لزامًا على راغبي السفر أن يتنقلوا من مكان لآخر لمجرد إتمام عملية الحجز.
كما أن السياحة قامت بأدوار هامة في جعل العالم قرية صغيرة؛ وهذا نتج عنه معرفة الشعوب لحضارات الآخرين، ومن ثم التواصل الإنساني بين ثقافات متعددة ومختلفة عن بعضها البعض.
إنَّ انتقال الأفراد إلى وجهات سياحية أتاح لهذه الوجهات فرصة ثمينة لعرض مشاكلها على العالم من خلال تجارب العملاء واطلاعهم على بعض نواحي القصور التي تعاني منها الدول المضيفة. كما أنّ اكتشاف المجهول وجعله أمرًا اعتياديًا كان من أهم نجاحات القطاع السياحي، فقد عنيت السياحة بتوفير فرص عدة لزيارة الأماكن النائية والبعيدة عن السخط الإعلامي؛ مما حول دائرة الضوء تجاهها.
عملت السياحة على التقريب بين الشعوب من خلال زيارة المواقع الثقافية والسياحية، ورؤية عادات وتقاليد الشعوب عن قرب؛ مما سهل من عملية التواصل وقبول الآخر، كما أتاحت السياحة للجميع فكرة مشاركة وتبادل الخبرات، والاعتماد على الكفاءة فقط دون النظر إلى جنس أو لون، فكثيرًا ما نقابل موظفين من جنسيات مختلفة يعملون في نفس المنشأة السياحية، وهذا يخلق نوعًا من الإهتمام بتكريس فكرة التواصل.
ولعله يتضح أهمية الدور الذي تلعبه السياحة في حياة الشعوب، وأنها أصبحت قوة بالغة التاثير، ولم يعد ينظر إليها على أنها مجرد وسيلة ترفيه، بل هي نشاط إنساني يمكن أن يمارسها الجميع على اختلاف طبقاتهم الإقتصادية، والعالم الآن ينظر إليها على أنها ظاهرة دائمة التطور والنمو، تعيد تشكيل نفسها بنفسها بشكل دائم بإعتبارها نشاط إستهلاكي يستمع إلى رغبات العملاء، ويعمل على تحقيقها.
حفظ الله شعوبنا العربية