«حارة بلا فضيلة»
طه جمعه الشرنوبي – مصر
نجيب محفوظ كان يقول عن حارته التي تمثل مجتمعه وقتها:«آفة حارتنا النسيان»؛ وإن كان يصف حارته التي رواها، بالمناسبة الآن يمكننا أن نُعدد آفة حارتنا الجهل والتخلف والمرض والبطالة والتبعية وغيرها؛ مما أدى إلى انعدام المُثُل الأخلاقية.
وإذا حدث اليوم أمر «مستحسن» لم نعد نألفه كان بمثابة إنجاز وغير طبيعي من كثرة الأمور السيئة التي نسمعها كل يوم.
في الماضي منذ أكثر من عشرين عامًا كان إذا حدثت جريمة قامت حارتنا على رأسها في حالة من الاستنكار والهلع والخوف و«إزاي يحصل ده؟!، و إحنا وصلنا للدرجة دى، القيامة هتقوم ! »
لكن الآن نسمع ونُشاهد ونقرأ كل يوم عبر شاشة التلفاز أو في الصحف عن جريمة قتل واغتصاب وتحرش هنا وهناك، أصبح الأمر عاديًا، أصبح جلل حدوث هذه الأشياء على نفوسنا عاديًا من كثرة الاعتياد عليه.
لا أتحدث عن الفضيلة؛ لأنه لا أحد يستطيع الإمساك بزمامها، لا أحد يستطيع أن يحكُم ويتحكّم في مصائر الخلق، لا أحد يمتلك صكوك الغُفران، لكن الجميع مسئول مسؤولية تامة أمام نفسه وأسرته ومجتمعه، وأمام العالم في تقرير مصيره، إذا ما كان سيقوده إلي الحب والخير والجمال، أو إلي مصير ينتهي إليه من الدمار والهلاك.
يقول الدكتور وائل الدسوقي: «التعليق على الأحداث أصبح إجمالاً شيئا غير أخلاقي، للافتقار إلى وسيلة تعبير محترمة».
هذا أبلغ ما قرأته تعبيراً عن الأحداث خلال هذه الفترة التي تمثّل لبعض الأجيال أزمة وثقلاً على عاتقه، الفضيلة التي تتمثل في الحب والخير والجمال في زماننا الآن ليس لها معيار أكثر من أنها مشهد درامي تنتهي مع نهايته، أو حلقة في برنامج تلفزيوني.
أزمة مجتمعنا العربي هي أزمة ثقافية بحته، تجرد المجتمع من ثقافته وهويته هي -في رأيي- ما أوصلنا لهذه الحالة، حقيقة عارية نراها ونُنكرها كأن لم تكُن، أو كأنها غير موجودة.
بعضنا يقبل ذلك بكونها انفتاحا على حضارات أخرى، ولكننا لم نأخذ منها إلا الجانب السلبي في كل شيء، لم نصل لمرحلة النُّضج لاستيعاب ما يفيد وما يضُر نتيجة تغييب الوعي بعبارات زائفة، ونسينا تمامًا أن كل ما يتعلق بشتى أمور حياتنا ثقافة.
التحضر ثقافة، الرقي ثقافة، الوعي ثقافة، التعليم ثقافة، العمل ثقافة، المعاملة ثقافة، الرياضة ثقافة، الفن ثقافة، لكن كُل ذلك يختلف ما بين طبيعة الثقافة إذا كانت ثقافة مجتمعية، وثقافة دينية، وثقافة تعليمية.
لكن كما قلت سابقاً: الجميع يرى اليوم أن حدوث أمر مستحسن يستحق الاحتفاء، نسعى لإبرازه في مانشيتات الصحف، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ لافتقارنا لمثل هذه الأشياء في زماننا، رغم أن ذلك هو الطبيعي.
إذا أحسن أحد الأشخاص أمراً ما نصل لحد الانبهار، وكأنه قام بشيء إعجازي، وكأنه قام بفعل خارق في زمن انتهت فيه المعجزات.
يؤسفني أننا وصلنا لهذه المرحلة، يؤسفني أننا نعيش هذا الزمن، قلّما نرى فيه موطنا للجمال والخير والحب.