2024
Adsense
مقالات صحفية

الأتراك والمسلسلات التاريخية

أحمد بن سليم الحراصي

لا يخفى على الكثيرين منا الدور الذي تقوم به الدراما التركية في بث المسلسلات التاريخية الماتعة، والتي تتميز بالحبكة الدرامية المثيرة للإعجاب، والتمثيل الذي يأسر قلب المشاهد، فتجعله في حماسة لمشاهدة الحلقات كاملة، وهو الشيء الذي جعل من تركيا ثاني أكبر مُصدِّر للمسلسلات التلفزيونية بعد الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تحظى المسلسلات التاريخية منها خاصةً لمشاهدة ضخمة في العديد من دول العالم، ومع هذا أرى بأن أهدافها مختلفة تماما عمّا يظنه بعضنا أو لنقل بأن هناك أشياء لا يستوعبها المشاهد البسيط.

رغم الزخم الكبير الذي تشهده الدراما التركية في الفترات الأخيرة خاصة ما بين العرب المسلمين لما فيها من إحياء للعادات والتقاليد الاجتماعية والصفات الأخلاقية التي يتحلى بها المسلم وبث روح الاتحاد بين المسلمين؛ لأنهم إخوة في الدين فإن هذا لا يبرر الخيانة والمؤامرات التي تحاك بين الحين والآخر في مسلسلاتهم التاريخية، ولم يخلُ مسلسلٌ تاريخيٌّ واحدٌ من الخيانة، وهي الخيانة التي دائما يكون العرب عنوانها ضد الأتراك، ففي مسلسل قيامة أرطغرل، صوَّر الدولة الأيوبية بالضعف والانهيار، وأن أرطغرل هذا دخل حلب في عهد حاكمها العزيز الأيوبي حفيد صلاح الدين الأيوبي، وبهذا استطاع أرطغرل اكتشاف مؤامرة فرسان الهيكل وإفشالها؛ ما يدل على أن العرب كانوا ضعفاء لدرجة ألّا يستطيعوا رؤية ما حولهم من مؤامرات، إلا أن التاريخ يقول بأن الدولة الأيوبية لم يكن لها علاقة بأرطغرل والد عثمان المؤسس، ومع هذا فإن فضل الدولة الأيوبية كان كبيرا في محاربة الحملات الصليبية على مدى أعوام طويلة.

وفي مسلسل كوت العمارة، ظهر الكثير من العرب بجانب الإنجليز كخونة باعوا أوطانهم من أجل المكانة والأموال، وأظهرهم المسلسل على أنهم بجانب الإنجليز، ولم يُظهر المسلسل أي مشاركة عربية بجانب العثمانيين كرجال حاربوا معهم على عكس ما يقوله التاريخ، فأظهر المسلسل مبالغة كبيرة في ظهور التركي العثماني وضرب بمجهودات العرب في القتال بجانبهم عرض الحائط.
ثم في مسلسل بربروس (سيف البحر الأبيض)، ظهر جليا بأن المسلسل كان محايدًا، وكان يظهر بأنه لا قتال بين الإخوة المسلمين من دولة المماليك حتى ولو تنازعوا، وأن إشهار سيفك أو سلاحك في وجه أخيك المسلم أمرٌ غير مقبول لدى العثمانيين، ولكن ما يقوله التاريخ يعاكس بهارات المسلسل المضافة، فنجد أن العثمانيين وخاصة الإنكشاريين منهم دمروا جيوش المماليك ببنادقهم التي يمتلكونها في حين لا يمتلك المماليك سوى سهم وسيف على الطريقة التقليدية؛ فهزموهم واستولوا على بلاد الشام، ثم نهبوا مصر، وقتلوا فيها إخوتهم الذين يزعمون أنهم إخوة في الدين معهم.

إنني أتساءل حقيقة لماذا يكره الأتراك العرب؟ وهل العرب يكرهون الأتراك أيضًا؟ فوجدت ضالتي ربما، في مقال (لماذا يكره الأتراك العرب؟) للكاتب محمد عبد اللطيف المنشور في sasa post بتاريخ 27 يونيو 2014، يبدو أن الكاتب كتب تعليقات بلسان أتراك عند سؤالهم لماذا تكرهون العرب؟ فتعددت الآراء بين من يقول: إن العرب متسخون، ولا يملكون ثقافة، وأنني لو كنت عربيا لكنت غبيا ما يدل على ضعف ثقافة العربي مقارنة بالتركي، في حين علَّق أحدهم قائلا: بأن العرب خونة؛ فقد خانوا العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، وهم أحد أسباب سقوط الإمبراطورية العثمانية، وأنهم باعوا أوطانهم من أجل حفنة من الأموال، فهم يبيعون أصدقاءهم في حين أن أصدقاءهم بجانبهم دائمًا، وقالت إحداهن: بأن اللاجئين السوريين في تركيا صاخبين، ويفتعلون المشاكل والضوضاء في الأماكن العامة، كما أنهم يعاكسون الفتيات التركيات، ويزعجونهن بتعليقاتهم المتحرشة.

في حين يرى القلة منهم أن العرب أحفاد الصحابة والرسول، وأنهم قدوة لهم، فهم متحدثو اللغة العربية لغة القرآن الكريم.

كما أنني أتساءل ما صحة التاريخ الذي قرأناه سواء من قِبل المؤرخين العرب أم المؤرخين الأتراك وأيهم نصدق؟ وهل سيتجه العرب والأتراك إلى مصالحة أنفسهم، ويتركون أفعال أجدادهم في طي النسيان، ولا ينشغلون بما دار في ذلك الزمان وينهون عداوتهم هذه؛ لأنهم إخوة في الدين؟ ولأن العرب هم الذين يرجحون الكفة في حال اتحادهم مع الأتراك، ويكفي الأتراك من بث مسلسلاتهم التي تصور أن العرب خونة، وأقول مثلما قال الرئيس التركي رجب أردوغان: (من الخطأ اتهام كل العرب بالغدر بسبب بعض الأخطاء التي حدثت خلال الحرب العالمية الأولى)، كما أقول: بأنه يجب تعليم الجيل الجديد محبة الأخوة الإسلامية وتقديرها، فالمسلم أخو المسلم دون تفريق وتفكيك، وإن الذي حدث في الماضي ما هو إلا سعيٌّ من المنظمات العدوانية في تفكيك الإسلام وانتشاله من جذوره نحو الهاوية؛ ولذلك أرى أن عصرنا هذا بحاجة إلى هذه المسلسلات التي تثير الحماسة والنخوة لأبناء الدين الواحد، فالعرب كان لهم فضلٌ كبيرٌ في رفع راية الإسلام بجانب الأتراك، ولا يجب أن يلتفت الإنسان العاقل منا لبعض الأخطاء التي وقعت لأهواء ناس دون ناس، فالخيانة جاءت مزيجًا من عرب وأتراك؛ لإسقاط الدولة العثمانية، وليس من العرب فقط، فيا أيها المسلمون، استيقظوا من السبات.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights