الحقوق الزوجية في الإسلام (11)
د. عبد الحكيم أبوريدة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد،
فلقد تناولنا في مقالات سابقة، حقوق الزوجة على زوجها، وحقوق الزوج على زوجته، وفي السطور التالية سنتعرف على بعض الحقوق المشتركة بين الزوجين، ذكرنا منها في ثنايا حديثنا آنفا المعاشرة بالمعروف، ومنها (المشاركة في الهموم والسراء والضراء) بمعنى أن الزوجة تهتم بكل ما يتعلق بشئون زوجها من صحة ومرض، ومن راحة وتعب، وكذلك الزوج يتأثر بكل ما يتعلق بحياة زوجته، فيعمل على ما يسعدها ويرضيها.
ولقد ضربت لنا -أم المؤمنين- السيدة خديجة -رضي الله عنها- أروع الأمثلة في اهتمامها بتقديم كل ما من شأنه إدخال الهدوء والراحة والطمأنينة على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- فعندما جاءها من (غار حراء) يرجف فؤاده، وقال لها: زملوني زملوني، أي: لفوني في ثيابي- لقد خشيت على نفسي، وأخبرها صلى الله عليه وسلم بما حدث له فى غار حراء، فماذا قالت له أم المومنين رضي الله عنها؟ لقد قالت له كلمات حانية تدل على حبها له، واهتمامها بأمره، وحرصها على إدخال الطمأنينة إلى قلبه.
قالت له: كلا -لا تخف- والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل- أي تساعد كل من يحتاج إلى مساعدة، وتُكسب المعدوم، وتُقري الضيف، أي: وتكرم الضيف.
ولم تكتف بذلك -رضي الله عنها- بل صحبته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وقالت له: يا بن العم، اسمع إلى ما يقوله ابن أخيك محمد صلى الله عليه وسلم.
فقال له ورقة: يا بن أخي، ماذا حدث لك؟ فقص عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما حدث له.
فقال له ورقة: يا بن أخي، هذا هو الناموس، أي: الوحي، الذي أنزله الله على موسى.
فهذا الذي حدث من أم المؤمنين -رضي الله عنها- مع زوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدل على أسمى ما تفعله الزوجة مع زوجها وأفضله وأشرفه، من مشاركة له في كل همومه، ومسراته، وسائر شئونه.
ولقد بادلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا الوفاء، فعاملها في حياتها أكرم معاملة، وسمى الرسول -صلى الله عليه وسلم- العام الذي توفيت فيه بعام الحزن.
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.