مدارس القرى ومعضلة التمويل
أحمد بن عبدالله البحري
إن أي مشروع تربوي تعليمي لا يقام إلا على ثلاث أثافي، وهي: الكادر البشري، والمادة العلمية، واللوجستيات التي تحتاج إلى المال. فالكادر البشري في المدارس المعلمون والإداريون، وقد يستعان بالخبرات من الخارج التي قد يدفع لها المال نظير خدماتها، والمادة العلمية تتزود بها من الكتب أو الإنترنت.
أما اللوجستيات فقد تتوفر في المدارس، وأحيانا كثيرة تضطر إلى شراء بعض المواد، ولتمويل عملية الشراء في أحيان قليلة تسعفك ميزانية المدرسة الضئيلة مع حجم المطلوب منك من أعمال، ومشاريع، وتكاليف تشغيلية أخرى، مثل: طباعة الورق، والصيانة، وأدوات التدريس؛ إذ إن الوزارة بعد سياسة خفض الإنفاق التي اتخذتها الدولة للحد من آثار الأزمة الاقتصادية بعد انخفاض أسعار النفط وأزمة كورونا، خفضت ميزانيات المدارس بمقدار 15%؛ وبسبب هذا التخفيض في الميزانية تضطر إلى طلب التمويل من الخارج، فتلجأ إلى القطاع الخاص أو بعض المتبرعين من المجتمع.
فلو كنت في المدينة سيكون الأمر أسهل من مدارس القرى لعدة أسباب، فأولها: القطاع الخاص يتركز في المدن من شركات أو مؤسسات كبيرة أو صغيرة؛ ولذلك سيكون تمويله لهذه المدن لقربها من المكان، وسهولة الوصول إليهم، والتواصل بينه وبين إدارات المدارس، والشيء الآخر مؤسسات القطاع الخاص يهمها السمعة والترويج بين أكبر شريحة في المجتمع، فمدارس المدن فيها كثافة طلابية، وكادر تدريسي أضعاف مدارس القرى، والترويج فيها سيأتي بمردود اقتصادي نتيجة التسويق بين أكبر فئة مجتمعية، كما تساعد برامج التواصل الاجتماعي في الترويج للمؤسسة عندما تتبرع المدرسة في المدن؛ فمستخدمو برامج التواصل الاجتماعي في المدن أكثر منهم عددا في القرى؛ مما يساعد مؤسسات القطاع الخاص في الترويج لنفسها في المجتمع، وأضيف أيضا أن المؤسسات الحكومية المهمة تتركز في المدن؛ مما يساعد في تجسير الهوة بين القطاع الخاص ومدارس المدن من خلال عقد اجتماعات، وإقامة فعاليات مشتركة بين المدارس والقطاع الخاص. في الأخير الخدمة المجتمعية في القطاع الخاص ينظر إليها بوصفها عنصرا مهما في الترويج للمدرسة، فظاهرها المساعدة، ولكن في باطنها تأخذ محل الدعاية للمؤسسة.
أما جانب المتبرعين من ميسوري الحال فله عدة أسباب في قلة الدعم لمدارس القرى، فهم إما أن يكونوا تجارا أو ذوي مناصب رفيعة في القطاع الحكومي أو الخاص، وكما هو معلوم أن الأكثرية تقطن المدن؛ لقربها من أماكن العمل ولتوفر الخدمات، ولذلك سيكون توجه تبرعاتهم للمدارس التي يدرس فيها أولادهم أو المدارس التي تصنع لهم الوجاهة الاجتماعية بين أكبر عدد من الناس، أما الصنف الثاني من المتبرعين والذين ينشطون قرب موعد انتخابات مجلس الشورى أو المجلس البلدي، فتنشط يدهم الكريمة في هذا الوقت، ليجلبوا أكبر عدد من المصوتين من الكادر التعليمي وأهالي الطلبة، ويكون لمدارس المدن نصيب الأسد من تبرعاتهم، بينما مدارس القرى ذات الكثافة الطلابية القليلة لا تكون في الحسبان؛ لأن المردود الانتخابي قليل. ونأتي إلى مبدأ الصدقة التي يخرجها ميسورو الحال، فهي تتوجه عادة إلى بناء المساجد أو الجمعيات الخيرية التي توزعها على المحتاجين، ولكننا لم نرَ في يوم من الأيام عن متبرع تبرع بصدقة للمدارس؛ رغم أن المجتمع العماني في السابق كان يوقف أموالا لصالح المدارس في القرى والمدن على حد سواء، وتأتي هذه الإشكالية من ظن بعضهم في الوقت الحالي بأن الدولة تتكفل بالقطاع التعليمي دون الحاجة إلى تبرعاتهم، وأن الصدقات تكون محصورة في جانب معين بغية الثواب والأجر في الآخرة.
لذا نقترح لحل هذا الإشكال اقتراحات عدة، أولها: زيادة ميزانية مدارس القرى؛ فلا يمكن أن تساوى مدارس تحصل على الدعم بسهولة بمدارس لا تجد دعما من المتبرعين، وقد يكون هذا المقترح بعيد المآل؛ بسبب تقليل الإنفاق الحكومي؛ نتيجة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم.
أما الاقتراح الثاني فيمكن عمل مبادرة يجمع فيها مكتب المحافظ أو المديرية العامة بين مدارس القرى ومؤسسات القطاع الخاص والمتبرعين من أجل توزيع عادل لأموال الخدمة المجتمعية، وقد نذهب بعيدا إذا قدمنا اقتراحا آخر يدعو إلى إدارة مديرية التربية والتعليم للأموال المُتبرَّع بها من القطاع الخاص وتوزيعها على المدارس.
أما المتعلق بصناديق الخيرية فنرجو منها أن تخصص الشيء القليل من التبرعات لخدمة القطاع التعليمي، الذي سيعود حتما بالخير على المجتمع من خلال المبادرات التعليمية التي تستهدف الطلبة في الحياة المدرسية، وتغيير مفهوم الصدقة في فكر المتبرعين، أو تعيين وقف للمدارس، مثلما كان العمانيون يفعلون ذلك في السابق.
في الأخير نقول: إن المشاريع المدرسية المستدام منها وغير المستدام، حتى الجوائز التحفيزية للطلبة أو للكادر التدريسي ستعود بالتأكيد على رفع جودة التعليم، وجعل الجو المدرسي أكثر راحة وتقبلا للطلبة.