رحلة مع موهوب … المحطة الثانية (2)
د. إنعام بنت محمد المقيمية
عرف مناشدو الكمال بأنهم الذين يضعون لأنفسهم معايير وتوقعات عالية جدا قد لا تناسب مع قدراتهم للوصول لمستويات عليا من الإنتاجية، وهي ظاهرة غير صحية؛ تؤدي بهم إلى الاضطراب وسوء التكيف النفسي والاجتماعي، حيث تعتبر عملية إنشاد الكمال من سمات الموهوبين، حيث يضعون أنفسهم في مستويات عالية ويغضبون ويحبطون، ويشعرون بالذنب والنقد الشديد لذاتهم عندما يكتشفون بأنهم لا يمتلكون المهارة لإكمال المهمة الموكلة إليهم.
وهذا حال موهوب رحلتنا في هذه المحطة الثانية، فتوقعات والديه العالية تمثل ضغط وجهد قهري نحو تحقيق رغباتهم، كما أن المبالغة في مدحه والتباهي به أمام الجميع بأنه متميز ومتفوق، أشعره بالغرور فهو ينظر على أنه مختلف عن أقرانهم، يستحوذ الاهتمام الأكبر من بين أخوته مما بعث في نفسه عدم الاطمئنان والاستقرار النفسي، كما أن معاملة والديه على أنه ناضج حرمه من إشباع حاجاته الأساسية كالحب والعطف، لذا أصبح يحمل في عقله أفكارا غير منطقية. فكان تركيز البرنامج الإرشادي المعد له إلى تحسين مفهوم الذات؛ ليكون أكثر واقعية وإيجابية، وتقبل الذات والاعتراف بعناصر الضعف التي كان لا يراها في نفسه من التضخيم والشعور بالعظمة، والنظر إلى المهام المكلفة كخبرات تعليمية في السعي نحو التميز وليس الكمال، وإشباع حاجة الإنجاز لديه بما يتناسب مع قدراته مع تحمل المسئولية وتقبل الأخطاء والفشل بوعي دون لوم الذات والمبالغة في جلدها.
وبشكل عام لم يكن التعامل مع الموهوب ناشد الكمال بالأمر السهل، فجلسة تفنيد الأفكار الغير عقلانية من الجلسات التي بذلنا فيها جهد حتى يتخلص الموهوب من المعتقدات والأفكار المرسخة في عقلة لمساعدته في فهم حاجاته للسعي نحو الكمال بوعي، فنسف معتقداته ومساعدته في نقل ذاته من التضخيم إلى الواقعية، وتخفيف حده الجهد المبذول لإرضاء التوقعات العالية للوالدين والخوف من الرفض، فعبارة يجب ولابد كانت حاضرة في حديثة ممزوجة بكمية مشاعر غضب وتوتر.
وبعد عدة جلسات إرشاديه من تطبيق فنيات الاسترخاء والتأمل ومراقبة الأفكار والمشاعر، والالتزام بحل الواجب، وحثه على العمل الجماعي ومساعدة الأخرين ومشاركتهم، وتشجبه على قراءة سير الناجحين في تقبل ذواتهم والاستمرار في النجاح رغم محطات الفشل كانت كفيله لتخفيف حده السعي نحو الكمال.