السلامة في احترام مفردات الطبيعة
م. ناصر بن سالم الوهيبي
nssw71@gmail.com
المنخفضات والأيام الماطرة تكشف لنا مدى أن تفكير الإنسان محدود؛ حيث لا ينظر إلا إلى ما تحت قدميه، لم يسبر ما حوله من مقومات طبيعية، جبال، وكثبان رملية، وأودية، ومرتفعات، ومنخفضات، وخيران، فعندما يشيد مبنى أو طريقا يأخذ بالحسبان أن هذه المفردات الطبيعية التي اختار أن يبني بجوارها أو تحتها ربما يوما من الأيام ستكون وبالا عليه، وفي لحظة ما سيفقد ما شيده.
يا أيها الإنسان، احترم ما حولك من مقومات طبيعية، وأعطها حقها، واعمل نمذجة في مخيلتك، إن في حالة هبوب عواصف ماذا سيحصل لمشروعك؟ وفي حالة هطول مطري ماذا سيحصل أيضا؟ وفي حالة المد البحري ماذا سيحصل للمناطق المنخفضة والقريبة من الخيران؛ فإنها قابلة أن تفيض وتغرق، وما الحلول لتفادي ذلك؟ وأبسط مثال : عندما تبني بيتا، فإن أول ما تختار الأبواب الخارجية ( للحوش) يأتي في تفكيرك أن تكون من الحديد ربما لرخص ثمنه، لكن لم يأت في تفكيرك أن هذا الحديد قابل للصدأ خلال 5 سنوات، وستضطر لتغيير الأبواب، ومن ثمَّ فاتورة أخرى جديدة كل 5 سنوات؛ لذا ادفع مبلغا أكثر، واعمل أبوابا من مادة الكاستنج ألمنيوم؛ للاستدامة مدى الحياة.
نصيحة لا تجازف بتركيب مظلات من الصفيح، وأنت تعرف أنها ستطير يوما ما عند هبوب العواصف، ولا توزع مخططا سكنيا في وادٍ، أو شراج، أو مناطق منخفضة ملتصقة بالخيران إلا وأنت أعددتها بما يحول دون غرق تلك المباني، وفقدان أهلها وتأثرهم ماديا ومعنويا، ويبدأون حياتهم من الصفر.
أذكر وزير إسكان سابقا، عندما كان وزيرا كان ذكيا، اختار موقعا مميزا له؛ لبناء منزل في أعالي الجبال بولاية ساحلية، ومن فاز معه بأرض في ذلك الموقع، فهو بمنأى عن أي فيضان (ذكاء وفطنة)، المخططون للمشاريع بشرطة عمان السلطانية تعلموا من حوادث الفيضانات، وأصبحوا يختارون مواقع مشاريعهم بعناية فائقة ( تخطيط سليم ومستدام).
إن إعمال العقل، ومشاورة أهل القرى والمناطق عند تخطيط مشاريع تخدم تلك القرى والمناطق؛ ضروري جدا، فأهل مكة أدرى بشعابها، وتذكروا جيدا (أن أي منطقة أو مخططا سكنيا يقع بين جبلين فهو وادٍ)، فلتفكر ألف مرة قبل أن تشتري أرضا أو عقارا، وفكر مليون مرة قبل أن تستثمر أموالك بأي مشروع سكني، أو تجاري، أو زراعي، أو سياحي، أو صناعي، وكن على معرفة تامة بالمكان وماهيته، وعلى أي أرض أنت ستبني مشروعك؟ وماذا يجاورها؟ وإذا عرفت ذلك كله، صمم مشروعك ليكون مستداما، فلا يتضرر سلبا بعوامل الطبيعة(رياح، وفيضانات، وأودية، وشراج، وطمي، وأتربة، وملوحة..إلخ) بالبلد التي أنت فيها أو الموقع.
نحن ندعو دوما أن يغيثنا الله بالغيث الكثير، لكن الله يعلم حالنا يبعث لنا الغيث بمقياس؛ لأنه لو استمر لأسبوع متواصل فإننا سنغرق؛ لأن معظم بنيتنا التحية غير مؤهلة لأيام ماطرة طويلة فقط يمكنها أن تتحمل يوما أو يومين.
هذا الموضوع ما كان أحد يفطن له، ولم يخطر على بال أحد قبل أن يأتي إعصار جونو.. بعد إعصار جونو، بلدية مسقط الوحيدة التي بدأت بتحسين بنية الطرق وغيرها، وقامت بعمل مصارف للأمطار، وما زالت مستمرة، وفي صلالة لاحظنا أيضا هذا الشيء، ومنها أيضا مشاريع سدود الحماية من مخاطر الفيضانات، نحن بحاجة إلى عمل كثير وكبير في هذا المجال، طرقنا، وأحياؤنا السكنية، وغيرها الكثير منها تحت مرمى الأودية والشراج.. زرنا دولا، المطر فيها ينهمر 24 ساعة، وما تعرف أين تذهب المياه؟ (توجد مصارف مياه على جوانب الطرق والأحياء السكنية).
إذا أردنا التطوير فلنأخذ تجارب اليابان وغيرها من الدول الرائدة في هذا المجال.
على سبيل المثال: فرحنا بسوق بركاء للأسماك الموجود بداخل مارينا بركاء، لكن للأسف لا يرضي الطموح، ولا أعرف كيف تم تصميمه؟ مرة ذهبت لشراء أسماك وكنت بعيدا عن منصة تقطيع الأسماك، لكن ملابسي امتلأت بقع دم، وبالصدفة شاهدت أحد المسئولين عن السوق، ووجهت له ملاحظتي، قائلا له: إن هذا التصميم غير موفق بالمرة، وقلت له على الأقل لو ذهبتم لأقرب دول الجوار، وعاينتم تصاميم أسواق الأسماك فيها وأخذتم بأفضلها وطورتموه؛ سيكون أحسن حالا من الحالي، للأسف! لم تعجبه ملاحظتي.