في محراب الحزن
محمد عكفي
استيقظت مسليةُ صباحَ الثلاثاءِ،
وجدران بيوتها ترددُ صدى الخبرِ المفجع،
مات يحيى !!
من يحيى؟
من يحيى؟
يحيى، الصلاة والقيام.
يحيى، البِّر والصيام.
يحيى، المساكين والفقراء.
يحيى، الأرامل واليتامى.
يحيى، المآذن والمساجدْ.
يحيى، الراكعُ الساجدْ.
يحيى، الشاكرُ الحامدْ.
يحيى، الصدقُ والصدقةْ.
يحيى، البذلُ والنفقةْ.
صاحت مسليةُ، وآمالها تكذب الخبر؛ حتى رأت الجسد الطاهر بلا روحٍ، و نور وجههِ يضيءُ دروبها .
توشحت السواد مستعيرةً من أتقيائها الأنقياء وشيوخها والشباب رجالا ونساء فقراء وأغنياء، كل الدموع، وبدأت تذرفها من محاجرها، حتى ما عادت تستطيع الوقوف على قدميها؛ لحمل نعش تقيّها الخفيف، فاصطفت الأقدام من كل قريةٍ ومدينةٍ وباديةٍ وحاضرة بجوارها، ممسكةً بيدها سائرةً معها بالنعش، ولكأنها أفواج حجيج إلى صعيد عرفة صاعدة، حتى توقفت الجموع في انكسار وخشوع، بعد أن توقفت مسليةُ، وقامت بتقبيل جبين زاهدها الزاهرِ قبلةَ وداعٍ قبل أن تضّمه تحت ثراها، وهي مكلومة في ليلتها التي تشبهُ ليلَ امرأةٍ ترملت منذ زهرة شبابها، وبقيت حتى مماتها.
____________
مسلية : قرية يحيى بن محسن، بحري من وجهاء قرية مسلية ومحافظة بيش ومنطقة جازان بالمملكة العربية السعودية، تبرع بكثير من أمواله في أعمال الخير، وافته المنية صباح يوم الثلاثاء الموافق : 1443/5/17هـ .