خلفان بن ناصر الرواحي
إننا أحيانًا قد تسوقنا الأقدار ونعتاد على الخلوة مع أنفسنا حتى يصبح ذلك جزءًا منّا ونصير جزءًا منه، وتحلِّق بنا الذكريات في سماء فضاءاتها الفسيحة بلا حدود، ونعيش في عالم الخيالات بتفاصيل المعقول واللامعقول، وكأننا نعيش في عالم مختلف عن عالم البشر الذي نتعايش معه.
وفي بعض الأحيان ينتابنا شعور الفقد لبعض مفردات حياة البساطة، والطفولة، والمرح التي كنّا نتفاعل معها، وتتفاعل معنا ببراءة المشهد، وتغيب عنا عين الحقيقة لإنسانيتنا بمفردات بعض الألوان التي رسمت ملامح عواطفنا ونفقد القدرة على أن نرى غيرها، ولو أنّ بَعضُنَا حاول أن يرى ما حولهُ لاكتشف أسرار الحقيقة المخفية في بديع ألوان حياتنا، فقد نجد أنّ اللون الأسود جميل ولكن الأبيض أجمل مِنه، وأنّ لون السّماء الرماديّ يُحرّك المشاعر والخيال ولكن لون السّماء أصفى في حُسْنِ ونقاء زرقتِه ونقائها.
هكذا أجد نفسي بعض الأحيان في خلوتي؛ أتفاعل مع ذاتي وأبحث عن الصفاءِ ولو كان لحظة، وأبحث عن الوفاءِ في مفردات تعاملاتي الفائتة واللاحقة ولو كان ذلك بالنسبة لي مُتعبًا وشاقًا، وأتمسّك بخيوطِ بصيص الأمل من نبضات جوارحي حتى ولو كانت بعيدة، وقد أستسلم لعواطفي وشعور قلبي ومشاعري وأيامي لأمورٍ ضاع زمانها فتخونني الكلمات، وتتبعثر الحروف.
فهكذا هي حياتنا تمر بنا بحروفها المبعثرة، فيسرق الحنين جزءًا كبيرًا من عمرنا، ونجاهد أنفسنا لنزرع الجميل ونُسهِمُ في بناءِ مُدنِ الفَرَح، وترميم انكسار القلوب المحطمة، ونتخاطب ولو مع ذواتنا في ساعة الخلوة بنبضِ النقاءِ والحُب والحلم؛ لنتلمس الصّفاء على الأرض قبل تحليقنا في فضاءات الخيال، ولتبقى قُلوبنا في طور الطّفولة، ولا تكبر أعماقنا ولا تَتَلّوَث أبدًا، ولترتَسم ملامِح الطّفولة في وجوهنا، ونأمل أن تبقى أَعيُنُنا هي مرآةٌ صادقةٌ لأعماقِنا بعيداً عن التَخفّي والإخفاء المبطن، ولا نحبُّ ارتداء الأقنِعة؛ وذلك أملًا لنبقى مع الصفوة، ومن نصفهم بالعملةِ النادرة في زمنِ القُلوب المُلَوّنة.
