انعكاس الأفكار
د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com
ستبدو جميلا يوما ما عندما تجد الأفكار الجيدة البنّاءة طريقها إليك مفتوحا، وحينما تهبها عقلك، وينشرح لها صدرك، فسوف تجد أشرعة تفكيرك تسبح بك في عالم آخر، وتشرق شمسك، وتبتهج بها، وينعكس ذلك على حياتك كلها، وحينها ترى أنك مختلف عن الآخرين؛ فأنت صاحب فكر، لست مثل غيرك ممن يعيش مقلدا، أو مشاهدا أو مستمعا، إنما أنت قوي بما عندك، وبما وهبك الله إياه من أفكار تعيش بها ولها، وهي نبراس لشخصيتك الإنسانية، وأنت ذو عقلية متفردة بفكرك المبدع، وبما عندك من إيجابية فعالة تركت أثرا طيبا فيمن حولك، ومن ثَمّ ترتقي بنفسك، ويتأثر بك غيرك، كل ذلك بسبب أفكارك الهادفة التي سعيت نحوها، وخطّطت لها منذ نعومة أظافرك، وسلكت في سبيل تحقيقها سبلا قد تكون شائكة، ولا يدركها الآخرون ويرونها، وإنما ينظرون إلى لحظة نجاحك دون أن يفكروا فيما قبلها، فعالَـــم أفكارك يستحق التقدير والإعجاب!
اجعل أفكارك تنعكس على أسرتك، مع والديك في معاملة طيبة، ورحمة لينة، وطيب نفس بما تقوم به نحوهما، وليستشعرا أن شجرة تربيتهما لك أينعت وأثمرت، وكلما فعلت فعلا معهما، أو أدليت بدلوك في أمر ما، وكان خيرا، قالا: نعم الرأي، ودعيا لك بالحياة السعيدة، وأن تكون من ذوي البصيرة الذين يدركون ما لا يراه الآخرون؛ فينزل الله تعالى عليك رحماته وبركات دعائهما؛ فتحيا حياة كلها رضا واستقرار.
اجعل أفكارك التي عشت من أجلها تراها رفيقة دربك فعلا لا قولا، منذ أن قُدّر لكما أن تلتقيا معا، وتلاقت أفكاركما، وأدركْتَ وأدركَتْ حينها أنكما معا ستكوّنان أسرة مباركة أساسها المودة والرحمة، والمشاركة الفكرية الواعية التي تنشد جيلا مغايرا يرنو نحو طموحات تعود بالخير على نفسه وعلى من حوله؛ وهنا تعلو راية الوطن بانعكاس الأفكار على تربية الأبناء، فلنكن من صانعي الحياة لأبنائنا؛ فهم أملنا المنشود.
عندئذ ستحمد رفيقتك ربها أنْ رزقها زوجا مثلك يشعر بها، ويقدرها، ويفهمها، ويشاركها، ويتحاور معها بلطف واستيعاب، ويتغافل عن زلات تبدو منها أحيانا قد يكون سببها ضغوط الحياة، وتربية الأبناء، وأشياء أخرى، وعندما ترى منك ذلك، ستدعو لك ولأبنائكما بكل خير، وسيظل الحب قائما بينكما، والذكرى العطرة مشرقة، وإن غابت شمسها يوما ما.
ولله در شاعرنا وأديبنا غازي القصيبي! عندما قال في قصيدته “حديقة الغروب” مخاطبا زوجته:
أَيا رَفيقةَ دَرْبي لوْ لديّ سِوَى ** عُمْري.. لَقُلْتُ فِدَى عينيْكِ أَعْماري
اجعل أفكارك التي عشت من أجلها تنعكس على أبنائك الذين تعمل ليلا ونهارا على أن يكونوا نموذجا نافعا صالحا مصلحا يحيا من أجل هدف، كما سعيت أنت من قبل، ولتكن قدوة لهم، ونموذجا يُحتذى به، واسبح معي عندما ترى أو تسمع ابنا يقول:”إنّ أبي قدوتي”؛ وذلك ردّا على من يسأله: مَنْ قدوتك في الحياة؟ فلا يمهل نفسه لحظة، ولا يتردد أبدا في قوله، وهذا لم يأتِ عبثا، وإنما واقع مشاهَد، استقرار أسري منذ اختيار الأم، وسعيها مع زوجها نحو تربية حسنة لأبنائهما، والتفاهم بمعناه الأشمل بين أفراد الأسرة صغيرهم وكبيرهم، وانعكاس ذلك في شؤون حياتهم.
اجعل أبناءك ينتظرون قدومك من الخارج، وأنت في عمل، أو نحوه، وكأنه انتظار فجر مشرق؛ ليعم الخير والبهجة الجميع، ولا تكن من الآخرين الذين غابت شمسهم وهم أحياء، فلا أسرة ولا بناء!
اجعل أفكارك التي عشت من أجلها تنعكس على علاقاتك بأصحابك وأصدقائك، وليستشعروا أنك مختلف عن الآخرين، فأنت فتيل شمعة لهم يشرق بفكره، ويضيء لهم حياتهم، ولا يبخل عليهم بوقته، رجل حيث مواقف الرجال، عزيمة حينما تكون الإرادة، قوة وقتما استشعروا ضعفا، سدٌّ أينما أرادوا الاستناد عليه، فلتكن كل هؤلاء.
ولتكن أفكارك لهم شموسا يُستدفأ بها، وتنعكس عليهم دائما في كل وقت وحين، فإن غابت فقدوا نورها، وإن أشرقت عمّ خيرها.
وكم من أصدقاء لنا في العمل نَقشت أفكارهم البناءة في حياتنا آثارا لا يمكن أن تُمحى أو تتلاشى مع مرور الزمن! وسنظل نتذاكرهم وإن غابوا؛ فما تركوه لم يغب، ولن يغيب أبدا، وكم من آخرين دخلوا وخرجوا، ولم نشعر بهم، وما أكثرهم! ولم يكن لأفكارهم من سبيل، ولا لوجودهم من ذكر، وكفى..
اجعل أفكارك التي عشت من أجلها تنعكس على الوطن الذي أعطاك الكثير، ووهبك حياة، كم تمناها غيرك! وأنى له هذا ؟
حان وقتك؛ كي تحمل راية وطنك بما تقدمه من أفكار هادفة بنّاءة تُسهم بها في بنيانه الذي ينشده من أبنائه الذين يحملون على أكتافهم همّ النهوض به، وإرساء قواعد اسقراره وتنميته وحضارته، فلتكن ابنا بارا به.
توقف.. فكر.. أعد ترتيب أوراقك.. انهض.. كن قويا.. املأ نفسك أفكارا جيدة..كن مُدعّما الآخرين.. ازرع الحب والأمل في نفوسهم ؛ فقد تكون لديك فكرة تستصغرها، لكن انعكاسها على غيرك، قد يفتح لهم أبوابا لا يعلمها إلا الله، وتكون من البدايات المشرقة في حياتهم، وسببا في رقيهم وبناء نهضتهم، ويظل أثرها فيهم عمرا، ويتوارثها أجيال، وتكون من أعمالك الباقيات الصالحات، وما يدريك؟ وصدق الله تعالى؛ إذ يقول:“لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا”. ( سورة الطلاق: من الآية 1).