لست مجبرا
أحمد بن موسى البلوشي
يقول لي أحد الأصدقاء: تعبت كثيرًا وأنا أتابع الأخبار والمعلومات المُتدَاولة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فسألته وما الذي يتعبك في ذلك؟
فقال: يا صديقي كل الأخبار التي يتمّ تداولها سلبية وتوجع القلب، وأكتشفُ بعد فترة أنّها عارية من الصحةِ والمصداقية، وهي ليست إلّا أخبارًا مختلقة يتداولها الأغلبية في المواقع المتنوعة، وللأسف كنتُ أتفاعل معها بكلّ حواسي، وأنفعل وأتأثر ببعضها، وأحيانًا أعلّق على الأخبار بتعليقات سيئة، ربما تمس أشخاصًا وجهات معينة، فقلت له: لست مجبرًا على ذلك؛ لأنّه توجد مصادر رسمية يمكنك أنْ تأخذ الأخبار منها، ولست مجبرًا على التفاعل مع جميع ما يتم تداوله، فأنت بوصفك فردا في المجتمع متخصصٌ في مجال معين ومبدع فيه، ولا أعتقد أنّك تفقه كثيرًا في باقي المجالات والتخصصات كأصحاب العلاقة، ولا أعتقد كذلك أنّ رأيك سيكون صائبًا حول ما تطرحه؛ لأنك تفتقد الكثير من المعلومات، والمؤشرات حول ما يتمّ طرحه، فقبل أنْ تصدر حكمًا، وتنتقص من أحد، يمكنك التواصل مع الجهة ذات العلاقة، أو الشخص صاحب الموضوع، وتستفسر منه حول ما تريد، وبعدها يمكنك إصدار الأحكام بناءً على المعلومات المتوافرة لديك، فنحن يا صديقي، في الزمن الذي يُقَال عنه:”قليل مما يتمّ تداوله صحيح”؛ فلا ترهق نفسك فيما يتم تداوله.
نحن في زمن بعضهم يعدّ نفسه وكالةً للأنباء العالمية، فهو المحلل والمفسر لكلّ القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والمتحدث عن كلّ الجهات الحكومية، ينتقد هذا، ويؤيد هذا، وينتقص من قيمة فلان، والمسؤول الفلاني، ويعقد مقارنات ليس لها أساسٌ من الصحة، ويدافع وبكل شراسة عن رأيه، وقوله في أيّ موضوع يتمّ طرحه، هذا وهو شخص متعلم ومثقف وصاحب خبرة، إذًا ماذا ترك للبقيّة؟
إنّ التركيز ومتابعة كلّ الأمور والقضايا المتداولة، ليس بالأمر الصحيّ والإيجابي، فيمكنك أنْ تقرأ كلّ شيء، وتسمع كل شيء من باب العلم والمعرفة، وإن كانت أغلب هذه المعرفة لا تضيف شيئًا لرصيدك الفكري، والسبب بأنّ ما يتم تداوله “معرفة مضروبة”!
وتجد بعضهم عندما تكون لديه نظرة سلبية على جهة حكومية أو خاصة، فإنّه يصبّ كل جهده في انتقاد كل ما يطرح حول هذه المؤسسة، ومشاريعها وخططها وقرارتها، وينتقص من قيمة مسؤولها المباشر، بهدف ردّ الدَيْن أو إرضاء للنفس، وهذا نوع من أنواع الخواء الفكري.
إنْ كنت عزيزي القارئ تقضي وقتًا طويلًا بين وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وتعتمد اعتمادًا كليًا في تحصيلك المعرفي للمعلومات والقضايا المتداولة على هذه الوسائل فقط، وتتفاعل معها كأنّك صاحب العلاقة والقرار؛ فتأكّد من أنّك لا تضيف شيئًا لرصيك المعرفي، وأنّك تضيع على نفسك وقتًا يمكنك من خلاله قراءة كتاب، أو مجالسة مثقف، أو إنجاز عمل مفيد، فمن خلال تفاعلك مع هذه المواضيع في هذه القنوات؛ فأنت تعطي للآخرين صورة واضحة عن مدى المخزون الفكري الذي تمتلكه، ومقدار الثقافة لديك، فالحوار والردود والتفاعل مع المواضيع المطروحة يحدد مكانتك في الخريطة المعرفية، والثقافية لدى الآخرين.