قراءة في فن التسويق السياحي (1)
محمد علي البدوي
لكي تنهض صناعة ما لابد من توفر عدة مقومات من أجل تحقيق هذا الهدف، ومع تغير أنماط الاستهلاك، وميول البشر، وتعدد الخدمات، أصبح من الصعب تلبية احتياجات المستهلك بالشكل الذي يتمناه، وهنا يبرز دور التسويق الذي تحول إلى أهم أدوات نجاح منظومة بيع الخدمات العينية والمادية؛ لأنه بكل بساطة المنوط به فهم ما يفكر فيه المستهلك ودراسته.
ويعد التسويق السياحي من أكثر العلوم الإنسانية تطورا، وقد تغيرت إستراتيجية التسويق بشكل كبير تمشيا مع تطور الحياة، فهو لم يعد مجرد بيع السلع والخدمات، بل تنفيذ كافة أنشطة المنشآت التي تهدف إلى توجيه تدفق الخدمات والسلع من المنتج إلى المستهلك.
ولابد أن نعي أن مفهوم التسويق أكبر من مجرد الإعلان والترويج، فهو عملية فهم رغبات العملاء، والعمل على إرضائهم، وتحفيز رغباتهم في الحصول على ما تقدمه المنشأة، أو المؤسسة، أو الدولة من سلع وبرامج ومنتجات.
والتسويق من أهم الأنشطة التي تقوم بها المنشآت الحديثة؛ إدراكا منها لأهمية المنهج العلمي في التعامل مع الأسواق التي تخدمها؛ وللتعرف على رغبات المستهلكين وميولهم واحتياجاتهم، والعمل على إشباعها مما يحقق الفائدة للطرفين.
وفي عصرنا الحديث شهد التسويق السياحي تطورا ملحوظا من أجل النهوض والارتقاء بالقطاع السياحي، والمنتجات، والخدمات التي يقدمها القطاع.
ويمثل التسويق مرحلة مهمة من مراحل العملية الإنتاجية في القطاع السياحي، وهذه المرحلة تتم بين طرفين: المكان السياحي، والسائح.
وعلى الرغم من تمتع معظم الدول بموارد سياحية مختلفة فإن الأمر بحاجة إلى مجموعة من السياسات والإجراءات التسويقية؛ لدعم المنتج السياحي، وللحصول على نتائج مرضية خاصة على الصعيد الاجتماعي.
ولقد عرفت منظمة السياحة العالمية السياحة بأنها: (مجموع العلاقات والخدمات الناتجة من السفر والإقامة إلى ذلك الحد الذي لا يحتاج السائح فيه إلى إقامة دائمة، ولا يترتب على سياحته أي نشاط بأجر مدفوع).
وهناك تعريف آخر للسياحة، وهو: (السياحة مجموع التنقلات البشرية، والأنشطة المترتبة عليها، والناجمة عن ابتعاد الإنسان عن موطنه؛ تحقيقا لرغبة الانطلاق والتغيير، وكل ما يتعلق بها من أنشطة، وإشباع حاجات السائح).
أما التسويق السياحي فهو: (ذلك النشاط الإداري والفني الذي تقوم به المنظمات والمنشآت السياحية داخل الدولة وخارجها؛ لتحديد الأسواق السياحية المرتقبة، والتعرف عليها، والتأثير فيها بهدف تنمية الحركة السياحية القادمة منها، وتحقيق أكبر قدر من الإيرادات السياحية).
فالتسويق السياحي هو فى الواقع نشاط إداري بإمتياز، ويشمل كل وظائف الإدارة من تخطيط، وتنظيم، وتوجيه، ورقابة.
والإدارة الرشيدة للتسويق تحقق عدة مكاسب، منها: تطوير الأداء التسويقي، وتقييمه بشكل مستمر، وتحقيق التنسيق بين كافة أنشطة الإدارة وبين التسويق، كما تحرص على تحقيق الهدف الأسمى للتسويق، وهو تحقيق الأهداف التسويقية للمنشآت.
ويقوم قطاع التسويق في الدول السياحية بتخطيط نشاطاتها، وتطبيقها على أرض الواقع، ومراقبتها، والتحكم فيها، وبناء على البيانات التي يوفرها التسويق تقوم الدول بمراجعة خططها.
ويعتمد التسويق السياحي على تحليل الوضع الراهن، ثم وضع إستراتيجيات التسويق التي تعتمد على البحوث؛ للحصول على البيانات التسويقية اللازمة، وتحليلها؛ للتعرف على الفرص المتاحة.
ثم يقوم التسويق السياحي بتقسيم السوق المستهدفة إلى شرائح، والتركيز على شريحة أو أكثر من الشرائح المستهدفة، ثم تصميم إستراتيجيات للتمركز فى السوق المستهدفة، ويلي ذلك وضع خطط المراقبة والتحكم.
لقد مرت البشرية بمراحل عدة بدأت في الغالب بالمجتمع الزراعي، ثم المجتمع الصناعي، وأخيرا مجتمع المعلومات، ولكل مرحلة صفاتها التي تميزها.
وبدأ مجتمع المعلومات في إفراز مجتمع جديد اتفق على تسميته مجتمع تعقد الطلبات والاحتياجات، وهو ما يرتبط بشكل مباشر مع مجتمع السياحة الأكثر تعقيدا في عصرنا الحديث.
ثم تطورت المرحلة حتى أصبحنا نرى التخصصات الدقيقة جدا داخل المنظومة الواحدة فى القطاع السياحي، وأصبحت خيارات العملاء أكثر دقة؛ مما استدعى الخبراء أن يبحثوا عن سبل؛ لفهم ميول العملاء، وتلبية احتياجاتهم المختلفة.
وظهرت أنماط جديدة من السياحة لم تكن ذات قبول من قبل، وأصبحنا نسمع عن سياحة الفضاء، والسياحة الريفية، والسياحة الطبية، بينما تراجعت الأنماط التقليدية الكلاسيكية.
لذلك لابد من الاعتراف بأهمية البحوث السياحية التسويقية التي لابد أن تتسم بالجودة العالية والحرفية من أجل مساعدة المتخصصين في اتخاذ القرارات الصحيحة.
مفهوم السياحة الحديث يقوم على استثمار الموارد السياحية البارزة، وطرح نماذج سياحية جديدة، ولأن خيارات السائح والخدمات التسويقية التي يطلبها متنوعة، تجد الدول المضيفة أن السبيل الوحيد لتحقيق نسبة نجاح عالية هي اتباع المنهج التسويقي العلمي.
وبذلك أصبحت فكرة التسويق الحديث للسائحين تقوم على تسويق التجربة، وليس على طرق التسويق التقليدية المعتمدة فقط على المعلومات، بل أصبح من لوازم التسويق مزج هذه المعلومات مع الرواية أو القصة، فالمجتمع البشري يهتم بالمشاعر والتجارب الشخصية التي سيتلقاها؛ لاتخاذ قرار السفر.
ويفرض التنوع في شرائح السياح تنوعا في العناصر السياحية والخدمات المقدمة لهم، وهذا بدوره أنتج تنوعا في مجالات التسويق؛ مما جعل الدول تركز على التنوع، والثراء، وإبراز التجارب الإنسانية.
حفظ الله شعوبنا العربية.