2024
Adsense
مقالات صحفية

بريق البداية

بقلم أمل مصطفى

دائمًا تكون البداية جميلة، بداية كل شىء، وأى شىء، وبداية الحياة، وبداية النهار، وبداية العلاقات، وبداية عمل جديد، وبداية المشاعر، تلك اللحظات التى تحيا بها مشاعر، وتموت أخرى نتذكر دائمًا البدايات، ونتمنى أن تكون كل حياتنا وعلاقتنا بدايات!
ليت اللحظات تتوقف عند أول فرحة ، وأول دقة قلب مغمورة بالسعادة والأمل، عند بداية أجمل المشاعر وأصفاها وهى مفعمة بالحماس والإشراق والحيوية والدهشة والشغف، وعند أول كلمة حب صافية وصادقة من القلب .. البداية هى الصدق والعهد والرؤية والأمل والحلم بين الجفون فى غد أجمل، وفى حياة أجمل.
يقول محمود درويش:
أجمل ما في الحب البدايات
لا أريد من الحب غير البداية
وهذا ما أكده الشاعر في إحدى أروع قصائده.. فالجمال والبهاء يكونان في لحظة طلوع الفجر، ومع شروق الشمس الذى يغمر الدنيا دفئًا وحياة ونورًا؛ لهذا تكون البدايات في علاقات الأشخاص جميلة، وسهلة، ونقية مغلفة بطابع من الجمال فى كل شىء، يتوّجها بريق عينين مشرق يغمر الروح لذة وسعادة وحياة.
لكن السؤال لماذا دائمًا تكون البداية جميلة وأحيانا النهاية مؤلمة؟ لماذا نتمنّى أن البداية يتوقف الزمن عندها وأن تدوم؟
الإنسان بطبعه سريع الملل، فعندما تتغلّف الأحداث بالروتين، وتأخذ طابع التكرار تصبح على الرغم من أنه كان يسعد بها إلا أنه يملها ، ويجعل التكرار منها أحداثا باهتة باردة، حتى المشاعر تفقد البهجة والشغف، وتصبح مشاعر ساكنة فاترة يسلبها التعود ما كانت تمتاز به من اندهاش وإثارة تسعدنا، وتزرع البهجة فى نفوسنا، ونذكر بداية العلاقات الإنسانية بصفة خاصة؛ حيث تكون فيها البدايات كلحظة الشروق كلحظة نور الفجر بعد ليل مظلم.
لحظة ميلاد المشاعر والأحاسيس النقية لحظات الانبهار الأولى مع دقات القلب التى تعيد للجسد روحه، وتعيد للروح الحياة.
كثيرا ما يُظهر الناس فيها أجمل ما عندهم من صوت وصورة وتصرفات تشعرنا أنهم الأنسب والأفضل لبناء علاقة جميلة وطيدة معهم .. وتكون البداية معهم وليدة مغلفة بلذة المعرفة نقية من المشاكل والاختلاف، وكل ما فيها جميل ؛ مما يجعلنا فى رغبة فى ربط علاقات الود والحب معهم، إلى أن تأتى مرحلة سقوط الأقنعة؛ فتأتى النهاية مسرعة محملة بألم لوم النفس، وتأنيبها على عدم الحكم بشكل سليم منذ البداية، وألم الصدمة من عدم الالتزام بالعهد والوعد اللذىن كانا، فعلى الرغم من جمال البداية فإن للنهاية أيضًا رونقا وجمالا يتمثلان في الصدق والوضوح، وتجلى العقل فيها بالقرار الراجح والصائب؛ لأنه قرار صافٍ بدون زيف أو تجميل بظهور الكثير على حقيقتهم التى لا تظهرها البدايات.. أحيانا لا تكون فيه نهايات، وتستمر سعادة البدايات لاتنتهى تتجسد فيها الحياة بكل مقوماتها من سعادة وحب ونقاء ووفاء تحيا فيها النفس كل يوم بأجمل مشاعر ودّ وحبّ وائتلاف وذوبان مع الآخر فى حالة عشق لا تنتهى، تلك هى الحياة الحقيقية التى نحلم بها، ونتمنّاها، ونبحث عنها، ونسعى إليها.
يقول نزار قبانى رغم كل البدايات الجميلة التى مر بها وعانقته نشوتها، لم يجد فى آخر أيامه من يؤنس وحدته من صديق، أو محبّ، أو قريب؛ فراح يردّد حزينا:
لم يبق شىء فى يدي
هربت عصافير الطفولة من يدي
هربت حبيباتي
وذاكرتي
وأقلامي
وأوراقي
لم يبق عندي ما أقول
يبست شرايين القصيدة
وانتهى العمر الجميل
قيل لأحدهم : كيف تعرف من يحبك؟ قال: من يحبني يشعر بالنقص من دوني، ولو أمتلك كل شيء، ويشتاق إليّ ولو كان حوله ألف حي!
هو الذي يعاملني كأنه يراني لأول مرة، ويحافظ علي كأنني الوحيد فى العالم، هو الذي لا يعترف معي بالنهايات، يحبني كل يوم مثل البدايات، هو من يحفظ العهد والوعد تحت تأثير المتغيرات، ثابت لايتغير.
عند ذلك يصبح لدينا جمال البداية والمنتصف والنهاية، ولنجعل البداية أكبر محفز لنا وأكبر انطلاقة بأمل وحماس وحياة لا تعرف النهايات. اللهم ارزقنا جمال البدايات، وتوفيق الاستمرار، وحسن النهاية، فما بين بداية ونهاية حياة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights