قاتلو الطموح
عبدالله بن حمدان الفارسي
إن من الأحلام والأفكار، وإن تراءت، وبدت من الوهلة الأولى صعبة التحقيق، ومشوشة الرؤية، واستحالة الوصول إليها وتحقيقها، إلا أنها بالعزيمة، وبنار التحدي، وبالإصرار تلين وتنثني صلابة المستحيل، وتتهاوى جبال اليأس أمام الرغبات الصادقة، ومع هذا وكل ما تطرقت إليه سابقا، يتبادر إلى الذهن المتوقد والحماسة المتوهجة من جراء مواقف وحوادث وتجارب سابقة، هو كيف لي أن أحقق طموحاتي؟ وأسطر مراحل كفاحي على جبين الزمن؟ وأرتقي بإنجازاتي لمصاف النخبة؟ خدمة لي من ناحية التصالح مع الذات، والإسهام في تعزيز مكانة وطني وأبناء جنسي، وتأسيس قلاع التميز الإبداعي في عالم لا تتوقف وتيرة تطوره.
فبذات الصيغة التعجبية ( ! ) كيف يكون ذلك وأنت في وسط شرذمة من المحبطين الساعين لهدم أفكارك وإغراقها في وحل الانهزام قبل أن تتكوّن، وتتبلور، وتبصر النور؟ وإن حالفها التوفيق ولامست واقع الحياة بعد فترة معاناة، واجتيازها عمليات الإجهاض المتعمد، سيكون مصيرها التهميش، والسعي لتكسير كل ما من شأنه أن يوصلها لبر النجاح والشهرة، نعم، هكذا هي طبيعة الحياة، وبما تحتويه من فهارس ونماذج وشخوص تعدُّ – بحد ذاتها – تحديًا قاسيا لكل من أراد شق طرق النجاح، فليس من السهولة بمكان تجاوز مرحلة تلو الأخرى دون أن تواجهك صعوبات ومصاعب للحد من تقدمك لتحقيق مآربك، وهذه من المسلّمات الثابتة التي لا يمكن إنكارها، ولا تغييرها؛ لأنها من الركائز التي لا يمكن من غير التصادم معها، ولكن في الوقت ذاته يمكن التغافل عنها بعدم منحها الحيّز الذي من خلاله تطويق القدرات ومحاصرتها، وتحجيم الإمكانات الإبداعية، وعدم الاستسلام، وتمكينها من محاصرة مساعينا؛ لهدم صوامع الإصرار فينا، فرحلة النجاح تحتاج للصبر والعزم، والجهد، والمثابرة، والتسلح بالمعرفة، وبدون ما ذكرت فتأكد بأن تلك الرحلة مقرونة بالفشل المتوقع لها قبل بدئها.
ومن العناصر التي تؤدي إلى الفشل وتحطيم جهود المجتهدين والمبدعين على صخور اليأس، وتنحر أحلامهم على ضفاف التخلف، هم أعداء النجاح من البشر، بجانب الظروف المختلفة التي تتمثل في عدة أشياء، منها: العوامل العينية والمعنوية، ومن المعنيين بالأمر في المرتبة الأولى الذين قلما يكونون من خارج نطاق علاقاتك الاجتماعية المقربة، وأيضا ممن يتمتعون بذات التصنيف من ناحية التقارب الفكري، أو التشابه المهني معك، بعضهم من يبدي لك النصح والتوجيه وحسن النوايا، التي هي في الأساس مبطنة ومغلفة برؤى ضبابية، الغاية منها هدم الساس من الأساس بمعاول الهدم والتدمير، غير مبالين بالأخلاق الإنسانية، ولا بالآداب المهنية، ولا بالعادات والأعراف النبيلة، ولا بالشعائر الدينية التي تحتم علينا احترام المنافس احتراما شريفا، يقدسه المتنافسون، ويبجله الآخرون.
وهم بهذا التصرف قد تعامت بصائرهم، وعُتمت بصيرتهم، وحجبت عنهم أحقادهم الرؤية الشفافة بأن نجاح أي متنافس الهدف منه استمرارية التطور والتقدم، وفتح الآفاق؛ للوقوف على احتياجات الحياة، وتسخيرها وتطويعها لخدمة الإنسانية، والرقي بها، فنجاح الفرد وعلو شأنه هو امتداد وتكملة لمسيرة من سبقوه في مجاله، فمن غير اللائق أن تُنسب تلك الطفرة من النجاح لنفسه فقط دون المحيطين به والمتعايش معهم، ولولا تكاتفهم وتعاضدهم معه لما ارتقى إلى ما هو عليه، من المؤكد والحتمي أنه صاحب الفكرة والجهد، وأن النجاح الأكبر لابد أن يُنسب إليه ويسجل باسمه، وبناء عليه فأية محاولة متعمدة لسقوطه، أو جذب أفكاره للقاع تعد جريمة مع سبق الإصرار والترصد في حق البشرية قبل أن تكون في حق المبدع شخصيا.
إن التسابق من أجل السبق والتميز حق مشروع أقرته وكفلته كافة التشريعات تحت شعار المنافسة الشريفة، ومن خلال ما يتحقق من أهداف ونجاحات من شأنها خدمة البشرية كل حسب مجاله؛ لتفتح وتشرع أبوابا موصدة، كادت صفات الجهل والتناحر والتباغض تكون سببا في إحباط الآخر.
إن بعضهم يصل به الأمر إلى الاشتباك اللفظي، والتعارك الفكري، والتفاخر بالنسب، وليت ذلك ينصب في جدول المصلحة العامة، دعوا المواهب تنبت وتنمو في تربة صالحة خالية من شوائب الأحقاد، جددوا الثقة فيها؛ لتجنوا ثمارها مستقبلا، مدوا يد العون لها؛ لبناء مظلة النجاح؛ ليستظل الجميع تحتها، انتقدوا ووجهوا، ولكن بضمائر مكنونها الحب، مارسوا الإصلاح والحرث بمعاول البناء، اجعلوا من أنفسكم سلالمَ للنجاح، فالتاريخ منصف، سيذكر المبدعين والبارعين، ومن ساندهم، ومهد لهم سبل النجاح والرقي، ولن ينسَ أيضا (التاريخ) من كانوا جزازة للبراعم والمواهب، فاعمل ما شئت، واختر لنفسك المكانة التي تليق بك على سطور مجلدات التاريخ.