لا تُبحر كثيرًا
أحمد بن موسى البلوشي
يُعرّف البعض المعرفة على أنها: “الإدراك والوعي وفهم الحقائق عن طريق العقل المجرد أو بطريقة اكتساب المعلومات بإجراء تجربة، وتفسير نتائج التجربة، أو تفسير خبر، أو من خلال التأمّل في طبيعة الأشياء، وتأمّل النفس أو من خلال الاطّلاع على تجارب الآخرين، وقراءة استنتاجاتهم”، وعندما يعتقد الشخص بأنّه يعرف كلّ شيء، ويمتلك جميع المعلومات حول كل الموضوعات التي تُطرح، وفي كلّ التخصصات والاتّجاهات، وأنّ جميع آرائه، ومقترحاته وأطروحاته صائبة، ولديه الحلول لكلّ المشكلات الموجودة؛ فإنّه يُفَوّت على نفسه فرصة تعلم المزيد من المعرفة والعلم، وفي هذه الحالة يصل الشخص إلى مرحلة لا يمكن أن يتعلم بعدها؛ لأنّه أوهم نفسه بأنّه يعرف ما لا يعرفه الآخرون! ويطلق على هذه النوعية من الناس وصف “مدّعو المعرفة”.
فالعلم بحر واسع، ويحق لكل شخص أن يتعلم الكثير من المعارف والعلوم، وفي مختلف المجالات والتخصصات، ولكن لا يستطيع كذلك أيّ شخص في الكون أن يُبحر ويتوسع فيه حسب ما يريد ويتصور؛ فلكلّ شخص إمكانيات محددة للمعرفة والفهم، وإن كان الشخص يعتقد نفسه بأنّه يعرف كل شيءٍ، فحتماً سيجد من هو أعلم وأوسع معرفه منه. ومن خلال ما نشاهده من طرح بعض المغرّدين في وسائل التواصل الاجتماعي فإنّ بعضاً منهم يتوهم بأنّه وصل لدرجةٍ عالية من المعرفة والعلم، وأصبحوا ملمين بكلّ الأشياء وتفاصيلها، ويمتلكون الحلول لكلّ القضايا. فعلى سبيل المثال تجد من يطرح بعض المواضيع المتعلقة ببعض الجهات الحكومية، ويحكمون على أعمال هذه الجهات من خلال هذه المعرفة التي يمتلكونها، وعندما تبحث خلفهم تجد بأنّ أغلب هذه الأطروحات مجرد إشاعات متداولة، أو منقولة من مواقع أخرى دون دليل لصحتها، أو أن تفسيرهم لهذه المواضيع خاطئاً. والمؤسف كذلك عندما تناقش أحدا منهم في طرحه، وتوضح له بعض النقاط حول هذه المواضيع؛ فإنّه لا يقتنع بطرحك، ولا يناقشك كثيراً، بل يقول لك باختصار أنا كلامي صحيح وأنت الخطأ، وبعد نقاشٍ طويلٍ حول الموضوع يأتيك الرد النهائي “بأنّك مطبّل”، عذر أقبح من ذنب كما يقال في المثل.
الجميل في الأمر، هو أنّ الكثير من المتفاعلين مع هذه الأطروحات هم من فئة الشباب المتعلم والمثقف، ولكن المؤسف أنّ غالبية هذه التفاعلات لا تدل على أيّ ثقافة، وعلم؛ بل أصبح بعضم يهرف بما لا يعرف، ويريد أن يثبت للآخرين بأنّه موسوعة علمية تمتلك كلّ المعلومات، وأنه مستشار عالميّ يستطيع أن يطرح كل الحلول للمشكلات، وفي النهاية تجد كلّ الردود عبارة عن كمية من السلبية، والنقد الهدّام دون وعي، أو دليل لما يطرح؛ فقط مجرد تسابق في الرد دون وعي وإدراك.
عزيزي المتعلم والمثقف طرحك وتعليقاتك ومشاركاتك في وسائل التواصل الاجتماعي لا يثبت للآخرين بأنّك تعرف وتفهم كل شيء، بل يوضح لهم مقدار الفهم والثقافة لديك. فالمطلوب منّا أن نشارك ونناقش في هذه الوسائل بأسلوب يدلّ على نسبة الوعي والمعرفة لدينا، وألا نترك مجالاً لانتقاد الآخرين، وتعليقهم بالقول: ” إذا هذا متعلم ورده هكذا، فكيف يكون رد الجاهل؟”.