ويبقى الود !!..
أمل مصطفى
تتعدد العلاقات والروابط الإننسانية في حياتنا، وتختلف حسب أهمية الأشخاص الذين نتعامل معهم، فكلما كانت العلاقة بيننا، وبين أقرب الناس لنا من أقارب، وأحباب، وأصدقاء، متينة، وصافية، وصادقة؛ وجدنا أنفسنا نخشى فقدان هذه العلاقة، أو أن يشوبها الفتور؛ حيث إن العلاقات تشكل بين الناس أحد أهم الروابط التي يطلبها الإنسان بفطرته، ويسعى إليها بحدسه، ونظرًا لكثرة تداخل هذه العلاقات فقد يصيبها بعض من الشوائب، أو تحدث بعض الأخطاء، أو الأغلاط في سياق هذه العلاقات، أو يحدث اختلاف في وجهات النظر فيما بيننا، فكلنا يخطئ، فليس فينا معصوم عن الخطأ.
لذا فمن الممكن أن ينتهي أي خلاف، ويبقى الود على ما هو عليه بكلمة عتاب حانية؛ حيث إن العتاب بين الأحبة والأهل، والأصدقاء ضرورة لبقاء العلاقات نقية لا تشوبها شائبة، والعتاب لا نخشاه، بل نخشى عدم الرغبة فيه، ورفضه، وأن يقابل بالصد، أو الفرقة؛ لذا فإن للعتاب أساليب مقبولة يجب على المعاتب أن يعلم بها، ويحاول التعامل على أساسها، كأن لا يعاتب أحدًا أمام أعين الناس، وأن يختار اللين من الكلام، واللطيف من العبارات، وأن يقدم لمعتابه مديحًا لما فيه من صفات جميلة، وإيجابيات، وأن يظهر له محبته وتعاطفه.
فمن السهل على الزوجين أو الصديقين أن ينتقد أحدهما الآخر دون مراعاة لنفسيته، أو مشاعره بألفاظ جارحة، ونبرات عالية بنية تغيير السلوك أو التصحيح، وقد يكون بحسن النية، ولكن من شأن هذه التصرفات أن تهدم جدار تلك العلاقة.
ونستطيع القول: إن العتاب ملح الحياة، فهو من الأمور التي لا بد منها وقديما قال الشاعر:
إذا ذهب العتاب فليس ودٌ
ويبقى الود ما بقي العتاب
هنا تكمن أهمية العتاب الذي يقصد منه التنبيه واللوم البسيط لا لشيء، فقط لكي لا تحمل القلوب كرهًا أو حقدًا يكون سببه الصمت الطويل، وفي ساعة ضعف يخرج كل ذلك الزعل من القلب بوجه الزوج، أو الصديق، أو الأخ؛ فتكون النتيجة الفرقة.
ولو أنهما كانا يتعاتبان بكل طيبة نفس، وبكل لطافة، ودون تهجم، أو ظلم، لكانا على علم ببعضهما أكثر، وتسامح أكثر؛ لأن المخطئ لابد له من الاعتذار عندما يدرك خطأه، وكيف يدرك أخطاءه إن لم تعاتبه في بعض الأمور.
ولكن كيف لي أن أعاتب من أحب، وألا أفقد وده؟ إن أفضل أنواع العتاب هي التي تكون بالتلميح، وليس بالتصريح، وأن العتب بالفعل يجلي الصدر، لكن بحسب المعاتب، وطريقته في العتاب، “فيجب على المعاتب أن لا يضع الطرف الآخر موضع المتهم، ويجعله مضطرًا إلى الدفاع عن نفسه بطريقة تبدو، وكأنه يبرئ نفسه من تهمة مؤكدة، فقد يكون رد فعله عكسيًّا، وغير متوقع، ويخسر المعاتب الطرف الآخر. فإذا عاتب أيُّ شخص شخصًا آخر، يجب أن يحدد بدقة الأشياء التي تزعجه فيه بشكل ودود، وأن يضع النقاط على الحروف، مؤكدًا الحرص على العلاقة مع الطرف الآخر، والتأكيد على أن العتاب من باب الحفاظ على الود، عملًا بالحكمة القديمة التي تقول: “علامة ما بين المحبين في الهوى عتابهم في كل حق وباطل”.
إن العتاب لا يجدي نفعًا، ولا يستميل صديقًا إلا إذا كان عاطفيًّا رقيقًا لينًا كاشفًا عن حب العاتب، ورغبته في استعطاف صديقه، واستدامة وده، والحرص على استدامة العلاقة؛ لأن العتاب هو علامة من علامات الود والحب والرغبة فى إبقاء العلاقات صافية نقية.
العتاب فن، ينبغي أن يكون بابًا مفتوحًا للحب والود والمشاعر الدافئة، و”فِلْتَرَ” العلاقات الإنسانية، ومصفاتها التي تنقي شوائبها، فتظل صافية نقية، ولا يجب أن يصل إلى درجة اللوم؛ فيصبح رد فعل الطرف الآخر إما الصمت، أو الهرب، أو المواجهة الجارحة.
فإذا ذهب العتاب ذهبت المودة، وإذا زهدت فيه، وفضلت الصمت عن العتاب، فهذا مؤشر إلى إنهاء العلاقة، وفتور العاطفة بالقلب، وعدم الرغبة في استمرار تلك العلاقة، ولا حتى الرغبة فى تقبل أي اعتذار، فعند عدم العتب تموت المشاعر بالقلب، وتزهد النفس عن سماع أي تبرير، أو اعتذار؛ فالود يبقى ما بقي العتاب.