أكاديمية السُّبح
محمد علي البدوي
المجتمعات المضيفة والمهنيين المحليين وما يمتلكونه من حِرف ومهن قاربت على الانقراض، وهي من أهم ما يجب أن تهتم به لجان السياحة وأصحاب المصلحة في نمو القطاع السياحي؛ لذلك تؤكد مواد المدونة العالمية لأخلاق السياحة على ضرورة وصول المساعدات والخدمات بصورة طبيعية لكل فرد من أفراد المجتمعات ذات الطبيعة الخاصة.
لذا ينبغى أن يتم تشجيع أصحاب الحرف الخاصة وتقديم كافة أشكال الدعم لهم، وبخاصة تلك التي تعاني من عدم الإقبال عليها.
هناك حرف يدوية ومهن تعتمد على الإنسان وتكاد لا تستخدم الآلة، ولكنها تحتاج إلى دعم وخطة حقيقية حتى لا تنقرض وتتحول إلى مجرد ذكرى، والمحافظة على الحرف والتراث والموروثات الشعبية عمل لا يحتاج إلى من يوضح أهميته وجدواه الكبيرة على كافة الأصعدة، ومواد المدونة العالمية لأخلاق السياحة تؤكد على أهمية المحافظة على التراث بكافة أشكاله، وكذلك دعم وتنشيط ومد يد العون لأصحاب الحرف والمهن الخاصة ذات الطابع الخاص.
فالبند الثالث من المادة الخامسة من المدونة يحدد بوضوح أن السياحة نشاط نافع للدول والمجتمعات المحلية المضيفة حيث جاء فيها:
“٣-٥ : من المسلّم به أن سياحة الطبيعة والسياحة البيئية يسهمان في إثراء المستوى السياحي والنهوض به، بشرط احترامها للتراث الطبيعي والسكان المحليّين، وحمايتهما للطاقة الإستيعابية للموقع”.
والبند الرابع من المادة الرابعة يحدد ذلك بشكل أكثر وضوحاً فيقول:
“٤-٤- ينبغى أن يتم تخطيط النشاط السياحي بأسلوب يسمح للمنتجات الثقافية والحرف والتراث الشعبي بأن تبقى وتزدهر بدلاً من أن يؤدي بها إلى التدهور والإبتذال”.
لدينا قناعة بأن مجالس السياحة والهيئات المحلية والدولية المتصلة بها تحاول دعم هذه الحرف، ولكن الدعم لن يجدى نفعاً بدون تدخل الدول والحكومات ورجال الأعمال والسياح، وكل من له علاقة بالموضوع. فالمشكلة ليست في دعم صاحب حرفة هنا أو هناك، فقد تجد مكاناً لصانع السُّبح وقد توفر له المواد الخام ولكن إلى متى؟
لقد شاهدتُ برنامجاً تلفزيونياً لأحد الشباب يحاول جاهداً أن يفتتح مصنعاً صغيراً لصناعة السّبح وأعجبتني الفكرة، خاصة إذا ما تم التسويق لها بشكل جيد.
فهنا نجد أن بعض المبادرات الشخصية تتحول إلى ما يشبه الأكاديميات لتعليم الأطفال والسيدات بعض الحرف مُرحّباً بها أم لا، لكنها تظل محاولات فردية، وأمنياتنا أن تتحول إلى ظاهرة تنتشر فى كل الدول العربية، وأن تلتفت إليها الدول لتقدم لها وللقائمين عليها الدعم المناسب الذي يضمن الاستمرارية لمثل هذه المبادرات العظيمة.
فعلى سبيل المثال نحن نستورد السبح من الصين، رغم أن الأيدي العاملة الماهرة تتوفر بكثرة في كل بلادنا العربية، وكل ما نحتاج إليه هو دعم الدول لمثل هذه الحرف التي شارفت على الإنقراض.
وعليه يجب أن تشمل عملية الدعم عملية أخرى أكثر أهمية، وهى عملية تسويق هذه السبح، والتأكد من أن هناك سوقاً لها سوف تستوعب هذا المنتج، وتوفر للصانع الدخل المناسب الذى يجعله لا يفكر في هجر الحرفة التي ورثها عن أجداده، وهذا يتطلب أيضاً سوقاً سياحية؛ لأن السوق السياحية توفر له ما لا توفره الأسواق المحلية، فتنشيط الحرف اليدوية عملية ذات أبعاد مفيدة لكل الأطراف، والمحافظة على التراث ليست بحاجة إلى توضيح أهميتها، بالإضافة أنها بمثابة توفير فرص عمل للسكان المحليين، ومن أهم أهداف السياحة، بل يأتي على رأس الأهداف المعتمدة للسياحة المستدامة، وتمكين السياح من مشاهدة ومتابعة الحرف المحلية فى المجتمعات المضيفة، ويقدم المتعة للسياح، ويفتح أبواب التفكير فى استثمار هذه الحرف، والاستفادة منها قدر الإمكان.
كما أنَّ برامج المجموعات السياحية يجب أن تشتمل على زيارات لمناطق الحرف اليدوية، مثلما كان يحدث في مصر في الماضي القريب، حيث كنا نزور منطقة صناعة السجاد اليدوي، ورغم بعض التجاوزات إلا أنها كانت ذات صدىً جيد عند معظم المجموعات التى كانت تصحبنا إلى هذه المنطقة.
توجد فى كل بلد عربي حرف يدوية، ومهن ذات طابع خاص تتميز بها عن غيرها من الدول الأخرى، فهنا ومن خلال منبر صحيفة النبأ الالكترونية أدعو كل من يقرأ مقالي هذا أن يرسل لي بعض المعلومات عن بعض المهن والحرف ذات الطابع الخاص، والتي تميز هذا البلد عن ذاك؛ حتى نستطيع أن نلقي عليها الضوء كنوع من التثقيف للقارىء العربي، وكإشارة وتنبيه للمسوق السياحي العربي بضرورة الإستفادة من كل مواردنا البشرية والطبيعية فى التسويق السياحي.
حفظ الله شعوبنا العربية.