المدرسة القابوسية
د. رضيه بنت سليمان الحبسية
يحق لكل صاحب شأن أن يفخر، فكيف لعُمان أرض الأمجاد والبطولات! فاليوم حَرِيٌّ بك ياغالية، أن تفاخري بأبنائك ذوي السيادة والسؤدد، قيادةً وشعبًا، في لحمتهم وهمتهم في أشدّ الأزمات عصفًا، وهم بفعلهم يُسَطّرون مواقفًا بطولية زُمرًا. فتسابقوا مُلبين نداء الوطن شجاعةً وإقدامًا، من أقصى البلاد شمالًا إلى أقصى بقعة جنوبًا، في حربٍ مع ما خلفته الأنواء المناخية.
تناقلت شاشات التلفاز، ومحطات الإذاعة، ومواقع التواصل الاجتماعي أعظم المواقف، وأجلّ التضحيات، أموالًا وأرواحًا، نخوةً وبسالةً؛ لأجل عُمان الغالية. وقد تابع العالم أجمع تنوع وتنافس فئات المجتمع كافة، من عسكر، ومدني، شيبة وشبيبةً، نساءً ورجالًا، دون تفرقة بين قادر ومُعْوِز، بكل إقدام وإيثار؛ لمدّ يد العون، ومساندة أبناء وطنهم في مواقع متضررة، تباينت سبل الوصول إليها خطورةً واستحالةً؛ بما خلفته أوديتها، خرابًا ودمارًا.
ومع كل ما يعصف بالشعوب من تقلبات، تبقى الروابط الاجتماعية هي الفيصل، وهي الوثاق الذي يشد أركانه، بل وهي الرِّهان في قدرة المجتمعات على تخطي أحداث الدّهر والمصائب والمحن. وقد كنتم أبناء عُمان أنموذجا يُحتذى به، وبنعمة من الله ماضون في ضرب أروع الأمثلة والصور، في الوفاء، والإخلاص، وحب الوطن. فلكم كل الرَّجاء بمستقبل أجمل، فلا يُضام وطن أنتم أبناؤه، ولتزهر البلاد بجهودكم، ولتستمر مسيرته في عزة وكرامة وإباء.
وما بين غيور، ومحب، تسابق المغردون، تحفيزًا وامتنانًا، لأولئك السَّبّاقين في تقديم الخدمات، من ترؤس لجان التبرعات، أو إدارة فرق العمل التطوعية، أو تجميع المستلزمات، وتنظيم توزيع الاحتياجات، لأكثر الفئات والأسر والمناطق المتأثرة. وما بين متابع ومحذر من وقوع هفوات، أو تجاوزات بفعل الحمية الوطنية، والآثار النفسية للمتضررين، تتصدّر الروح الوطنية، وحس المسؤولية، لتجمع بين أولئك وهؤلاء. وتلك مشاعر طبيعية، في ظروف استثنائية، تتطلب وقتًا وجهدًا في إيصال الخدمات، وإصلاح البُنى التحتية، مما عجزت عنه بعض الدول المتقدمة، والممتلكة للموارد والقدرات، وذلك بحسب ما سجلته الأحداث، كبلدان منكوبة لأنواء مناخية، من زلازل، أو براكين، أو أعاصير مدارية.
أبناء عُمان الأنقياء إنّ ما تتمتعون به من قيم أبهرت العالم من حولنا، ليست بقيم مستوردة، بل متأصلة في جذوركم، وفق أساليب تنشئة مُحكمة، آمن بها قابوس طيّب الله ثراه، وبثّ فكره الوَقّاد عبر وسائط المجتمع التربوية، لتأتي الأخيرة، فتترجم ذلك الفكر عبر أهدافها وبرامجها المختلفة. وما أنتم عليه من تماسك ووحدة، إنما هو محصلة تربية وتطبيع خلال خمسين عامًا من التنشئة الاجتماعية، وفق أسس وخطط ممنهجة؛ لتكوين أجيال مؤمنة بعمانيتها، لتضع عُمان أولًا، وما دون ذلك يأتي ثانيا.
إنّ ما عبّر به المحللون والمراقبون، عما لمسوه ويلمسوه من أُخوة واتحاد، برغم التنوع الذي يتشكل منه المجتمع العُماني، بمرجعيات مذهبية متعددة -كما يرون- وكما يقولون: أي نوع من الشعوب أنتم؟! وإن كان الشعب العُماني لا يرى في ذلك التنوع مُعضلة، إنما هي سمات وخصائص عُمانية أصيلة، يتم تناقلها جيلا بعد جيل، كأحد الوظائف الاجتماعية للتربية، التي تحققت عبر مناشطها ومناهجها المتعددة، بحيث شعر الفرد بأنه يأتلف مع بني قومه ووطنه، بأواصرٍ من الوحدة المتحدة.
وحيث أنّ للتربية أهمية في عملية الضبط الاجتماعي، عن طريق تعزيز القيم والأنماط السلوكية التي يؤمن بها أفراد المجتمع، فإنّ المؤسسات التربوية المختلفة، تعمل جاهدة على استمرار وبقاء تلك القيم، من خلال توجيه الأجيال الوجهة التي يريدها قادة المجتمع؛ ليتحول الفرد بواسطتها من فرد اتكالي إلى مواطن يعي مسئولياته الاجتماعية، ويساهم في تحقيق أهداف وغايات المجتمع، وبما يضمن حياة أفراده في أُلفة ووئام، وأمن وسلام.
وها هي المدرسة القابوسية، تثبت جدارتها في تنشئة أجيال صلبة، لا تزيدها المحن إلا صلابة، وها هم اليوم كقوافل حجيج من كل شبر بعٌمان، متخذين من الباطنة قِبْلةً؛ لتؤدي فرضًا وطنيًّا، في ملحمةٍ وطنيةٍ تدمع معها الأعين فخرًا واعتزازًا. فلنواصل في الغُرس كما بدأنا، وألا نكل من مواصلة البناء كما تعلمنا، وأن تستمر وحدتنا كما توحّدنا، بعد العناء والانقسام.
ختامًا: تُبنى الأوطان بسواعد أبنائها، وتتقدم بهمم المخلصين منهم، وأبناء عُمان قدموا مثالًا في الإنسانية والتلاحم، في زمن فيه المصالح تتصارع، ومعه المخططات تتعارض. فليس إلا الحمد على نعمة القيم التي نحن فيها، ودعوات صادقة لمن كانت له يد في نشأتها. فطوبى ثم طوبى لكم أيها الصادقون قولًا، المخلصون فعلًا، وهنيئا لكِ عُمان أبناؤك العظماء، متعاضدين متحدين، دائمًا وأبدًا، فأنت يا عُمان عظيمة بشعبك الأشمّ، وبقائدك الأغرّ.