2024
Adsense
مقالات صحفية

لماذا يسافر الناس؟

محمد علي البدوي
الكاتب المتخصص في الشأن السياحي العربي والعالمي

هذا السؤال أصبح من لوازم الحديث عن صناعة السياحة، ويمكن تغيير الصيغة النهائية للسؤال إلى:
ما هي دوافع السفر أو ما هي العوامل المؤثرة في قرار السفر؟
وكي نقدم الإجابة لا بدّ لنا من أن نعود إلى الوراء قليلاً لنرصد بدايات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والتطورات السياسية والإقتصادية والاجتماعية التي حلت بالمجتمع الأوروبي والتي كان لها دور فعال في كلّ من:
تطور فكرة العمل وحقوق الإنسان والعمال وظهور طبقات اجتماعية جديدة ونقابات بحثَت عن حقوق العمال.
وقد توصل المتخصصون إلى ثلاثة عوامل رئيسية تؤثر في قرار العميل المحتمل وهي:

1- *الوقت* :
معظمنا يقضي وقته بإحدى الطرق الثلاث الآتية؛
إما في العمل أو في المهام الضرورية أو أوقات الفراغ، وقبل الثورة الصناعية التي غيرت وجه المجتمع الأوروبي إلى الأبد، كان غالبية الناس يعيشون في المناطق الريفية، ويعملون في الأرض الزراعية، والطريقة التي كانوا يقضون بها وقت الفراغ كانت تتأثر بشكل أساسي بالطقس.
ولكن بعد الثورة الصناعية بدأ مزيد من الناس الانتقال إلى المدن.
ووفرت الثورة الصناعية العمل والسكن لمزيد من السكان.
ولكن أصحاب المصانع أصرّوا على أن يعمل العمال ١٢ ساعة في اليوم لمدة ستة أيام في الأسبوع وكان يوم السبت هو يوم الإجازة الوحيد.
كان العمل شاقاً ومتعباً ولم تكن الآلات آنذاك حديثة بالمعنى الذي نفهمه الآن، وكانت تعتمد بشكل كبير على القوة الجسدية للعمال.
كان العمال متعبون للغاية وكانوا يتقاضون أجوراً زهيدة جداً، بحيث لم يكن لديهم الطاقة ولا المال لفعل الكثير في أوقات فراغهم.
علاوة على ذلك كان الناس يعتقدون أنه يجب على المرء أن يستريح يوم السبت يوم الإجازة الوحيد.
كانت الإجازات غير مدفوعة الأجر فإذا ما حصل العامل على يوم أو أكثر إجازة إضافية فإن صاحب العمل كان يقوم بخصمها من راتب العامل.
ولم يبدأ العمال في الحصول على إجازات مدفوعة الأجر إلا بعد ظهور النقابات العمالية في عشرينيات القرن الماضي.
اليوم متوسط أسبوع العمل ٤٠ ساعة والإجازة مدفوعة الأجر هي المعيار في معظم دول العالم.
يحصل العمال في ألمانيا والسويد على سبيل المثال على ما يصل إلى ٤٠ يوماً من أوقات الفراغ مدفوعة الأجر سنوياً.

اليوم يعتبر الوقت سلعة ثمينة ويعدّ ضيق الوقت من العوائق التي تحُول دون قضاء عطلة خاصة في العائلات ذات الدخل المزدوج، لذا يجب التنسيق المستمر لإيجاد وقت الفراغ المشترك بين الوالدين الذين يعملان لقضاء عطلة معاً.

2- *المال* :
العامل الرئيسي الثاني الذي يؤثر على قرارات الناس بالسفر أو الذهاب في عطلة هو المال.
عندما حصل العمال على إجازة سنوية لأول مرة لم يتم دفع أجورهم ونتيجة لذلك كان بإمكان القليل منهم فقط السفر خلال فترة الراحة.
ونظراً لأن الإجازات مدفوعة الأجر أصبحت هي القاعدة في القرن العشرين كان بإمكان الناس تحمل تكاليف السفر خلال عطلاتهم.
وأدّى الارتفاع في أعداد الأسر ذات الدخل المزدوج (الأب والأم يعملان) إلى ضمان أن يصبح المال أقل أهمية من ذي قبل، ومع ذلك ارتفعت تكاليف المعيشة وخاصة أسعار العقارات بشكل مضطرد في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، وبالتالي ما يزال المال أو مستوى الدخل المتاح للناس عاملاً حاسماً في تحديد إذا ما كان الناس سيأخذون إجازة أم لا ونوع العطلة التي يأخذونها.
ويوجد اليوم طرق أكثر من أي وقت مضى يمكن للناس أن ينفقوا فيها فائض دخلهم.
*إن أكبر تهديد للسياحة يأتي من المنتجات الاستهلاكية.*
وهناك تهديد آخر يأتي من الأنشطة المحلية، فقد يختار السائحون المحتملون قضاء إجازاتهم في الاستمتاع بالأنشطة الترفيهية في منطقتهم لتوفير المال والوقت.

٣- *التحفيز والتسويق* :
من أجل جعل الناس يسافرون يجب على وكلاء السياحة التأكد من أنهم يقدمون تجربة فريدة وجذابة، ويجب عليهم أيضاً التأكد من أنهم يقومون بتسويق أنفسهم بشكل فعّال.
يضمن التسويق الفعال أن يكون الناس على دراية بجميع نقاط البيع الفريدة للوجهة.
وحتى لو كان لدى الناس الوقت والمال للسفر فلن يفعلوا ذلك ما لم يكن لديهم الدافع، فالناس ينفقون المال على الإجازات لنفس الأسباب التي تجعلهم ينفقون الأموال على أي شيء آخر، فهم يشعرون أن الشراء سوف يلبي بعض الاحتياجات أو الرغبات.
يحدث الدافع عندما يتم نقل الفرد لتلبية حاجة في التسلسل الهرمي للاحتياجات البشرية.
حدد العالم (أبراهام ماسلو) القوى التي تتحكم في الرغبة البشرية.
يعتقد (ماسلو) أننا نهتم أولاً بالاحتياجات الفسيولوجية مثل الحاجة إلى الطعام والمأوى، وعندما يتم تلبية احتياجاتنا الأساسية يتحول تركيزنا إلى تحقيق احتياجات نفسية أعلى مستوى، وتشمل هذه الاحتياجات الحاجة إلى الحب واحترام الذات.
الفرق بين الحاجة والرغبة أننا يمكننا بشكل أو بآخر الاستغناء عن الرغبة أما الحاجة فلا يمكن الاستغناء عنها.
عادةً ما يركز الإعلان كاستراتيجية على تعزيز الرغبة بدلاً من الحاجة، ومع ذلك إذا أمكن إثبات الحاجة والترويج لها فقد يكون الإعلان أكثر فاعلية.
على سبيل المثال قد يحجز الشخص إجازة مشمسة لأنه يعتقد أن هذا هو نوع العطلة التي يحتاجها، ومع ذلك قد لا يكون على دراية بأنواع العطلات الأخرى، مثال تسلق الجبال أو التزحلق على الجليد وما إلى ذلك من أنواع عطلات مختلفة قد لا يدري عنها شيئاً، والتي قد تلبي احتياجاته بشكل أفضل، وما لم يتم الترويج والإعلان والتحفيز فقد يخسر الجميع، العملاء ووكلاء السفر.
وبذلك نكون قد استعرضنا أهم ٣ أسباب تجعل العميل المنتظَر يتخذ القرار بالسفر من عدمه، وسوف نواصل نشر الثقافة السياحية حتى نصنع جيلاً متفهماً لأهمية السياحة كواحدة من أهم عناصر التنمية.
حفظ الله شعوبنا العربية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights