الأنماط القيادية(3)
د. سعيد بن راشد الراشدي
ها نَحنُ عزيزنا القاري الكريم نتابع سوياً ما توقفنا عندهُ في مقالنا السابق، الذي ناقشنا فيه نمط من أنماط القيادة، وها نحنُ نًعرجُ لمناقشة نمط قيادي آخر من أنماط القيادة ألا وهو النمط الترسلي. وسوف نتطرق إلى التعريف به ومميزاته، والسمات العامة لهذا النمط القيادي، وكذلك السمات التي يتميز بها القائد عند استخدامه لفكر واستراتيجيات هذا النمط من القيادة.
النمط الترسلي أو الفوضوي The Laissez-faire Style
النمط الترسلي أو الفوضوي The Laissez-faire Style هو نمط قيادي وأسلوب إداري يوظفه القائد لقيادة مؤسسته التي يُديرها، وهناك تسميات كثيرة أطلقت على هذا النمط من الإدارة المدرسية منها الإدارة السائبة، والإدارة الحرة المطلقة، والإدارة الفوضوية، والإدارة غير الموجهة.
وكما جاء في ( عابدين،2001) يتميز هذا النمط القيادي بالمغالاة في إعطاء الحرية للعاملين بالمؤسسة؛ نظرا لتميز القائد في هذا النوع من الإدارات بشخصيته المرحة، وباطلاعه الواسع في النواحي الفنية المتعلقة بمهنته، وبالمهارة الفنية، حيث يرى القائد في هذا النمط أن دوره يتمثل في تهيئة الظروف الملائمة، وتوفير البيئة السليمة لقيام الأفراد بالمؤسسة بالعمل وفق الأسلوب الذي يرونه مناسباً وفعالاً دون تدخل أو تقييد لحريتهم ، كما يدعو العاملين معه إلى اجتماعات كثيرة تطول مدتها، ويسمح فيها لكل فرد بالتحدث، وإبداء الرأي ، وغالبا ما تنتهي تلك الاجتماعات دون اتخاذ أي قرارات خاصة بها ، ويكون العمل في المؤسسة غير منظم ، ويكون القائد في هذا النمط سلبي لا أثر لوجوده وللإفراد أن يفعلوا ما يريدون دون أي تدخل منه ، وليست هناك سياسات محددة أو إجراءات بل وقد لا تكون هناك أهداف أمام الجماعة يعمل الأفراد للوصول إليها.
وكما جاء في (العجمي،2000، 46) أن هذا النمط القيادي يقوم على أسس تتمثل في:
• يقوم القائد بمنح حرية التصرف للجميع بالمؤسسة لكي يفعل كل فرد ما يشاء ويراه مناسباً من وجهة نظره.
• لا يتدخل القائد في أداء العاملين معه بالتوجيه أو بالأمر أو النهي.
• يعمل القائد على إرضاء جميع العاملين معه حتى لو كان على حساب العمل بالمؤسسة.
• عدم الاهتمام بتنفيذ جميع عمليات وعناصر الإدارة من تخطيط، وتنظيم، ومتابعة بشكل جيد، ولا يخطط لجوانب لعمل بالمؤسسة.
• التسيب الشديد داخل المؤسسة؛ نتيجة لانعدام روح العمل بروح الفريق الواحد بين العاملين بالمؤسسة.
أما عن القادة الذين ينتهجون هذا النمط القيادي كأسلوب في قيادتهم للمؤسسات التي يُديرونها، فإنهم يتميزون بعدة سمات ومميزات تميزهم عن غيرهم، وقد ذكر (كريم ،2006، 47) تلك السمات التي تتمثل في:
• يتميز القائد في هذا النمط بضعف الشخصية أمام العاملين معه، وهذا يساعد على ظهور إحدى الشخصيات القوية من المستويات الإدارية الدنيا بالمؤسسة.
• التردد وضعف القدرة في عملية اتخاذ القرارات المناسبة التي تخدم جوانب العمل بالمؤسسة.
• قلة الاهتمام بعملية الانضباط بجوانب العمل المختلفة، وهذا يقود للفوضى، وعدم الاستقرار بالمؤسسة.
• قلة المتابعة للعاملين، وعدم اهتمام القائد بالتوجيه؛ مما يولد التسيب والفوضى ويقود ذلك لتدني مستويات الأداء.
• قلة الاهتمام بالمشكلات الشخصية التي تعترض العاملين في المؤسسة.
ويمكن هنا ذكر بعض من الجوانب الإيجابية لهذا النمط القيادي والتي تتمثل في: أن العاملين في المؤسسة يبذلون جهداً كبيراً؛ وذلك لإثبات ثقة قائدهم بهم، وايضاً تتسم العلاقات الإنسانية بين القائد والعاملين معه بالمؤسسة بالحرية، والتلقائية، وكذلك نجد قلة المشاكل والمشادات بين العاملين في هذا النمط القيادي بالمؤسسة.
أما عن الجوانب السلبية لهذا النمط فلقد ذكرت (الكعبية ،2008 ،72) بعض السلبيات التي تتمثل في: إن في هذا النمط لا يهتم معظم العاملين في هذا النمط لما يقوم به زملاؤهم في المؤسسة من أعمال يمكن بها تحقيق أهداف العمل، ويتهرب العاملين من تحمل المسؤولية، وتسود اللامبالاة لدى العاملين، مما يولد الفوضى وقلة الإنتاجية وتدني مستوى الأداء بالمؤسسة.
ويتضح عزيزي القارئ بعد هذا العرض للأنماط القيادية التي يمكن أن ينتهجها القادة كأسلوب لأداء أعمالهم في المؤسسات التي يديرونها، بانها تُعتبر العامل المهم في نجاح المؤسسات أو فشلها بعامة؛ لما لذلك من دور كبير وحاسم في التأثير في سلوك العاملين، وفي إيجاد مناخ تنظيمي فاعل بالمؤسسة.
كذلك نرى أن تسيير مختلف جوانب العمل في أي مؤسسة يتطلب من القيادات القائمة على العمل بشكلٍ عام بانتهاج أفضل الأساليب القيادية في مؤسساتهم؛ وخاصة ونحن نعيش ثورة معرفية هائلة وفي مختلف المجالات، في ظل عصرنا الحالي – العصر الرقمي – والمتسارع في الخطى وفي كافة القطاعات الحياتية المختلفة؛ لتحقيق أهداف المؤسسة بكل يسر، ويضمن تفاعل وتعاون الجميع للعمل ضمن منظومة الفريق الواحد، ومن خلال ذلك كله نجد مناخاً تنظيمياً فاعلاً بمؤسساتنا، وملائماً لجميع العاملين، مما يساعد ذلك على العمل بصورة أكثر جديةٍ، وأكثر إتقان من الجميع؛ مما يزيد من تحسين الإنتاجية، ورفع مستويات الأداء.
ونختم مقالنا هذا بقول رب العزة في كتابه العزيز:” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين ” الآية 159 من سورة آل عمران.