2024
Adsense
مقالات صحفية

تساؤلات في زمن الواقع الافتراضي..

عبدالله بن حمدان الفارسي

توجد في الحياة ثوابت عديدة، منها ما هو قابل للتغيير والآخر لا يمكن تغييره، وهناك نماذج وشواهد كثيرة ترسخ وتؤيد قولي هذا، فما على المتمعّن والمتفكّر إلا أن يمحّص ويدقّق في مجريات الأحداث المحيطة به وما يستجد فيها ومنها، ومن ضمن الاستنتاجات التي يمكن التطرّق إليها تلك التي يُستَخلص منها العبرة والموعظة اللتان تُمَكّنانه من الحكم على تلك الثوابت إن كان تغيُرها من الإيجابي إلى السلبي، أو من الهشاشة والركاكة إلى الصلابة والقوة.
ما أود بسطه على مائدة التساؤلات يقع بين الافتراضيّة والواقعيّة، وما على القارئ والمتتبع إلا أن يجد ببصيرته الثاقبة المسبّبات التي من شأنها إحداث تلك التغيرات.
نحن نعيش ونتعايش في مجتمعات متقاربة مهما كان التفاوت بينها في المسافات أو التنافر في العادات والتقاليد أو التصادم الفكري أو التباين الثقافي والاختلاف في اللغة أو الديانة أو الممارسات والسلوكيات الاعتيادية، لكن وبحكم التكنولوجيا ووسائل التواصل المرئية والسمعيّة وغيرها من وسائل التقارب العصرية باتت أغلب الأمور والأشياء في متناول الرؤية والسمع إن جاز القول ، والإلمام سريعاً بمجريات الأحداث والوقوف والاطلاع على المشاهد اليومية في ذات الوقت.
إن الشهرة والنجومية والمجد مسمّيات ومصطلحات ذات دلالة على الانفرادية والتميّز للأشخاص لمن هم فوق مستوى الاعتياد حسب ما قاموا أو مستمرين القيام به من أعمال وأفعال تفوق مهارات قرنائهم، الأمر الذي يجعلهم في مصاف النخبة أو الندرة، وبعيداً عن مشيئة الله في خلقه وهي من المسلمات الثابتة التي لا يختلف عليها من آمن به وصدّق رسوله صلى الله عليه وسلم، ما العوامل والركائز الأساسية التي جعلت من هؤلاء الذين يطلقون عليهم المشاهير والنجوم أن يكونوا كذلك، أو يصلون لهذه المرتبة من الصفوة، وحتى لا نحمل أوزار البعض منهم على كاهلنا ونظلمهم بهضم وإلغاء جهدهم ومثابرتهم وكفاحهم للوصول إلى ما هم عليه، فإننا نقول وسنظل نردّد القول هم المستحقون فعلاً للمكانة التي ارتقوا إليها من خلال أعمالهم المتنوعة التي ساهمت وتساهم في خدمة البشرية، وفتحت للإنسانية آفاق التقدم والازدهار.
ولكن في المقابل هناك فئة من المشاهير لربما سُلِّطتْ عليها الأضواء ونالت الحظ الأوفر من الشهرة والنجومية من الفئة الأولى، وهي في حقيقة الأمر لا تستحق أن تتعدى مكانتها أكثر من طول الظل في منتصف النهار، إذاً من أوصل هذه الفئة لهذا المستوى ورفع شأنها وأعلى مكانتها؟ ما الثوابت والقواعد المتبعة لذلك؟ فقد وصل بنا الحال لنسمع ونرى عناصراً لو نظر البصير إليها ولأعمالها لأصابه العمى، خَدْشٌ للحياء، هبوطٌ في الذوق، انعدام في التوازن الأخلاقي، انحلال وتدني في التفكير، تبعية عمياء في التصرّف والسلوك.
التساؤلات التي تفرض نفسها عليّ، من المسئول عن ارتقاء هذه النوعية وتلميع صورتها وتسليط الأضواء عليها لتنال ما هي عليه من شهرة ونجومية لدرجة أصبحت هذه الفئة قدوة للنشء ومثالاً يُحتذى به ونموذجاً يفتخر بها البعض ويقلدها؟ كل ما يصدر منها يُصيب النفس السويّة بالغثيان، والعقل بالتململ والتمايل وعدم الثبات. هذه الشخوص تجدها لدى البعض معزَّزة مُكَرَّمة ومُقدَّمة على ذوي العلم وأصحاب الرفعة والشأن. لماذا التجاهل والتغافل عن المبدعين والبارعين حقاً وعن أعمالهم؟ ولماذا تسليط الأضواء على من هم دون ذلك؟ لماذا تُطْفَأ الأنوار عن طريق مسيرة مجد المبدعين؟ لماذا تُكبّل طموحاتهم وأفكارهم وإبداعاتهم بسلاسل النفي؟ وتُرمى جهودهم في غياهب النسيان؟ وما سبب هذا الانكسار والاعوجاج والخلل في التصويب والتقييم لحقائق الأمور وعدم إبراز الحقائق بالصورة التي تليق بها؟ وما الدوافع وراء محاولة تغيير الثوابت الفطرية وقلب الحقائق وتزييف الواقع وتسويفه؟ هل يا ترى هناك قوى خلف الستار مهمّتها وهمّها تحريك الدمى لتغييب العقول السويّة لتعيش الخيال بنمط الواقع وتهميش الواقع بنسج الخيال؟!!
لربما يأتي يومٌ نرى فيه الألوان على غير ما تعودّنا عليها، ونسمِّي الأشياء باختلاف مسمَّياتها الحقيقية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights