عندما يجد قانون الجذب نصف الآخر
محمود بن خلف بن ناصر العدوي
عندما تفهم الطبيعة عمق الإنسان وماذا تريد مشاعره وهو غارقاً في أحضانها فإنها بذلك تجذبنا إليها، تثير فينا جمال طبيعتها، وسكونها اللامتناهي …. التاريخ لا يتوقف عند نقطة معينة وهذا هو حال الطبيعة.
لا تتوقف عن جذبنا إليها مهما كانت الأسباب، كل ما هو مطلوب منا أن نفهمها فهماً عميقاً ليعمل قانون الجذب، وأن نكون صادقين معها، نعرف كيف نخاطبها بمفهوم الاحتواء والسلام.
مفهوم الرسائل لا يعنى المفهوم الشائع لدينا فهنا له دلالة أخرى، الرسائل جزء من الطبيعة (الجبال والبحر) ولربما لدى الغير رسائل أخرى.
في يوم جميل يحمل نسائم هواء شبه باردة لكنه كان أفضل من الحر الذي يجعلنا نتصبب عرقا. في لحظات انتظار اللقاء يعود التاريخ قليلاً إلى الوراء، يعود للحظة التي شاءت كل الأشياء الرائعة أن تجمع بينهما، هي حروف متناثرة تبحث عن أجوبة لأسئلة غامضة تشكلت بداخل رأسه، فجعلت الصداع صديقاً له، هي نبضاً لروح تعاني من ألم لم يجد له دواء، رغم ذلك ما زال هناك نبض حياة ينبض بداخلها، نبض نداءات واستغاثة، صرخات لكلمات كانت تبحث عن احتواء يهدأ صراخها ويسكن بكائها،لأشياء ظلت حبيسة بداخله تفتش هنا وهناك بين جوه كثيرة تلك الوجوه التي لم تكن تفهمه، تتجاهل كل شيء يفكر به، تلك الوجوه التي تحاول أن تقتل أحلامه وهي ما زالت حبيسة منامه. تاريخ أوجد فارقاً في حياته، تاريخ كان ينتظره منذ أعوام كثيرة. كان يبحث عن شيء واحد يزيح عنه عراك الأفكار التي لا تريد أن تهدأ ولو للحظة واحدة، شيء واحد يمكنه أن يفهم معنى التفكير وكيف يحاور، الحوار الذي ظل يرافقه وكأنه ظل يتبعه أينما ذهب فأثقل رأسه الصغير.
في لحظة ما غيرت كل اعتقاداته وأيقظت أوراقه من موتها المؤقت، وعاد نبض آخر يساند ما تبقى من نبضات كلماته وحكاياته، لحظة لم يشعر به وأنها ستكون المكان الآمن الذي يريده، بدأ كل شيء غريب في بدايته ولكن كان لقانون الجذب كلمة أخرى رغم أنه لم يفهم ماذا يعنى ذلك القانون، كان يسمع أنه يقرب الأشياء من بعضها البعض ولو كانت بينها مسافات طويلة، أو في أماكن متفرقة، كان لا يؤمن بهذا القانون الذي لم يره يحاول أن يجذب شيء يشبه، ظل ساكناً، وصامتاً، لذا قرر التوقف عن قراءة ما يعنيه هذا القانون من نظريات.
في اليوم التالي من سلسلة الأحلام التي رآها قرر أن يرسل رسائل قصيرة إلى شيء مجهول للآخرين ولكن بالنسبة له فهو يعرفه جيداً، كان يحاول أن يطرد ذلك التفكير الذي سيطر عليه وهو في حالة انتظار الرد على رسائله. ظل يفتح شاشة هاتفه بين فترة وأخرى، يحاول ان يستحضر قانون الجذب بأي طريقة كانت لعله يقوم بشيء يخفف عنه تعب وألم الانتظار، ولكنه ظل ساكناً، وصامتاً، هل فعلاً يريد منه قانون الجذب أن يكرهه، ويوقف البحث عن نظرياته؟
مرت خمسة أيام دون أن يكمل الأسبوع دورته المعتادة، كان النهار على وشك انتصافه عندما لمعت شاشة هاتفه ليتفاجأ برسالة تحمل تعقيباً على موضوع دار النقاش حوله كثيراً وأشبع جدلاً حتى كادت عقولهم أن تنفجر دون اقتناع أطراف الحوار، كان هو متزن في رده يحاول ألا يثير صداع رأسه كثيراً ما دام غارقاً في نوم مؤقت، سطرين أو سطر واحد كاف لمعرفة من تحاور، أي فكر يحملها، دار بينمها حديث كان أطول عن سابقيه كانت هناك تفاصيل غامضة وأخرى واضحة. مسترخياً على كرسيه يقرأ الرسائل يحاول أن يفكك رموز حروفها ويعيد تكوينها وترتيبها وكأنها لغز أثارت حفيظة تفكيره، ما بين السطور كان هناك الأمل، كان هناك الاحتواء، الأمان، دفء رغم أنه كان فيصل الصيف الذي لا يشعرنا بالدفء مطلقاً، ولكن الحروف حولت الصيف إلى شتاء دافيء، يداعب الجسد بهوائه الجميل دون أن يؤثر فيه، دون أن يجمد دمه وحركته، دون أن يشل اليدين عن الكتابة، يحاول أن يختار الكلمات بعناية فهو الآن يعرف المخاطب، يعرف الفكر الذي سوف يقرأ تلك الرسائل، هنا شعر بأن استحضار قانون الجذب بدأ في العمل، بدأ يسوق الأشياء المتشابهة محاولاً طرد المتنافرات فيما بينهما، كان الحوار شيقاً ورائعاً رغم أنه لم يتعدى في بدايته النصف ساعة. من الأشياء الجميلة في هذه الحياة أن يقترب منك فكراً وعقلاً يعرف كيف يخاطبك كيف يهتم بك، كيف يدخلك في عالم الاحتواء.
كان قانون الجذب يعمل على جذب كل شيء له علاقة بينهما، يحاول أن يسد الفراغ الذي يشعرنا به، فضفضة حديث أو قصة عن زمن الطفولة كفيلة هي أن تفعل ذلك، فبعض القصص والحكايات متشابهة رغم أن البعض يعيش في جغرافية بعيدة عن الآخر. هل الزمن نفسه لحدوث تلك القصص أو الحكايات؟ لربما ذلك، وليس مهماً متى حدثت المهم أن تفاصيلها متقاربة جداً، الألم، المعاناة، الصبر، العزيمة، القوة، هي أجزاء رائعة من تلك القصص أو الحكايات، رأينا أحداثها ونحن نتحدث عنها بمعية رجوع الزمن إلى الوراء. انتصف المساء لم يدرك ذلك جيداً لأن أضواء الطرقات أزاحت ظلامه وراء الجبال. كان الليل يلقي علينا قصائده بصحبة نسمات هواء رائعة. هنا أدرك أن قانون الجذب كان ينتظر اللحظة التي يستطيع أن يعمق العلاقة ويقرب بينمها، أن يشرك الأشياء بينهما، المساء، القصائد، الحكايات، وزمن الطفولة، وأشياء أخرى ظلت تلاحقه ونحن في غمرة الحديث، لم يشعر بمسافة الطريق، كان يسارع حتى يستطيع الوصول إلى المكان الذي اختاره دون غيره من الأماكن ليحظى بلحظات انفراد مع ذاته، بلحظات انفراد مع أرواح الكتب، كان يسرع لملمة الأوراق المبعثرة على طاولته التي دائماً تثير أفكاره وكتاباته. يعود إلى الحديث مجدداً يحاول أن يرسم على نافذة السيارة شيء من التفاصيل الرائعة ليحملها معه أينما ذهب، رسم عليها لوحة من امتزاج الظلام بنور، امتزاج فكراً بفكر، وحواراً بحوار، لم يشأ أن ينظر إلى عقارب الساعة حتى لا يقلقه الوقت، هكذا تفعل بنا الأوقات في اللحظات الجميلة، تجعلنا نعيش في قلق ولكنها هذا المرة لم تستطع فعل ذلك، لأنه ليس هناك انتظار يقلق؟ شيء من النوادر وجده،
هكذا هو تعب البحث يوصلنا دائماً إلى أشياء نادرة جداً رغم أننا محاطون بأشياء لا نرى جمال روعتها وأنيق بريقها إلا من خلال قانون الجذب الذي بداخلنا. ليس من السهل مطلقاً أن تبحث بعمق وأنت لا تؤمن بالشيء الذي تبحث عنه. وهي عملية صعبة إذا أردت أن تغوص إلى الأعماق وليس معك شيء يجذبك إلى شيء مثله، مثل أعماق البحر هناك كائنات رائعة تشعرنا بالسعادة وكائنات تحاول الهجوم على الكائنات الأخرى، وعندما تصعد من عمق البحر يمكن أن ترى كيف تستطيع الفراشات أن تجذبها بعض الزهور بعطرها الرائع، وكيف أن بعض الزهور ذات العطور الكريهة لا تفعل ذلك؟ هو تناقض غريب وعجيب بين شيئان متشابهان ولكن لكل منهما من يجذبه، فالأكيد بأن تلك الزهور تلك ذات الرائحة الكريهة كائنات تجذبها، كم أشفق على هذه الكائنات، ولكن يخبرنا قانون الجذب بأنها تستحق ذلك. كان ضوء القمر يساند أضواء الطرقات ليرى النور أمامه، يمنحه مزيداً من طاقة الحديث، طاقة السعادة التي يريدها في تلك اللحظات وبعد تلك اللحظات، كان ذلك النور رفيق له ساقه إليه قانون الجذب، يمده بنور الفكر والحديث والحكايات، يمده بطيف من الكلمات المتدفقة التي يريد أن يكتب عنها. كان ذلك النور بمثابة مقدمات يجعله يغوص وينسى كل شيء يحيط به من ضجيج، كالذي يغوص إلى أعماق المحيطات، عليه أن يكون جاهزاً لكي تجذبه الأمواج في كل حالاتها إلى عمق البحر فتمنحه شعور العزلة والانفراد الرائع وهو يداعب الشعب المرجانية، هكذا تفعل هي.
الشيء الرائع الآخر أنها تعرف طرح الأسئلة وتعرف كيف تتهرب من الأسئلة وتعرف كيف تصمت عن الأجوبة، كل ذلك صعباً أن تجده في شيء واحد، ومن الصعب تجميع كل ذلك، ففي كل مرة تريد أن تبحث عن شيء عليك ان تتنقل بينهم، ولكن أن تجده في شيء واحد فأنت محظوظ وقانون الجذب كان ينتظر اللحظة المناسبة ليجعلك كذلك. ” أقدم اعتذاري لقانون الجذب “.
أن يمنحك شخص ما قوة ودافعية فهذا شيء لا يمكن نسيانه أو تناسيه في أي وقت من أوقاتنا سواء كان هو حاضراً معك أو لم يكن كذلك، هذا ما وجده فيها، تمنحه القوة والعزيمة للمضي إلى الأمام دون الإلتفات إلى الخلف، تخبره بأن الماضي كان ولن يعود من جديد، نعم نحن بحاجة إلى ذلك، بحاجة أن ننظر إلى الأشجار من أعلى القمة لنرى لونها الأخضر فتشعرنا بسعادة الطبيعة، هذا ما نبحث عنه.
لم يشأ النظر إلى الساعة فقد نسى أنها على معصم يديه ولكن في كثير من الأحيان الوقت هو من يتحكم بنا وليس العكس رغم أننا نجامل أو نخدع أنفسنا عندما نقول بأننا نستطيع التحكم بالوقت، الآن جاء دوره ليعلن بإن عليكما الذهاب كلا إلى وجهته، كان قاسياً في تلك اللحظة ” هل كان مجبراً أن يفعل ذلك؟ أم فعلها دون إرادة منه” كلا السببين كانا مرهقين لحظة النزول والسلام، حاول أن يقنعه بإن يمنحه مزيداً من وقته، ولكنه لم ينصت إلى نداءاته، شعور مؤلم بأن تنادي ولا أحد يسمعك أن تصرخ وتسمع صراخك يتردد على الجبال دون أن يسمعك أحد، ولكن ليس الآن كما كان بالأمس. كان الوقت كمن يريد أن يوجه له رسالة بأن هناك أوقات وأوقات أخرى فلماذا الإصرار؟ هل كان يتجاهل شعوره؟ أو لا يعرف معني الشعور؟ ليته لم ينطق، كان يتمنى ان يملك شيء يمكنه من إيقاف حركة دوران الوقت، فالحديث لم ينتهي، وكلام حكاياته لم تنتهي. نزل بكل سلام على أن يعود مجدداً ….. ولكن متى؟ سؤال يصعب الإجابة عليه … هل قانون الجذب سيعمل من جديد لنفس المكان أو سيجذب له مكان آخر أجمل منه.