إعادة الهيكلة لشركة متعثرة( 3 )
" يمكننا أن نصل إلى المستحيل إن أدركنا بأن الصعوبات التي من الممكن أن نقع بها هي نتاج قرارات قاسية تنتظر منا قرار اتخاذها"
يوسف عوض العازمي
( روبرت شولر )
بعد ذلك طلب الإجتماع مع الرئيس التنفيذي لإيجاد حل لمشكلة الرواتب المتأخرة للعاملين ،لضرورة إيجاد حلول مناسبة، في هذا الأمر الضروري و الهام لأن راتب العامل البسيط هو من أهم المهمات المتوجب حلها عاجلاً، و اهم بكثير من مشاكل كثيرة بالشركة و تناقضاتها، من الظلم تحميل العامل ذنباً لم يقترفه، بسبب إهمال القياديين يتضرر هؤلاء البسطاء، و لا ننسى العمالة هم وقود الشركة، و هل بإستطاعة أي شركة النهوض بلا عمالة؟
بعدها تم الإجتماع مع مسئول الإدارة المالية لمعرفة حجم المدفوعات و المطلوبات و الأرصدة السائلة و المجمدة، و تبين خلال الإجتماع و بعد الشرح و العرض الوافي بأنه يوجد بصيص أمل، لكن يحتاج الوصول لهذا البصيص لإجراءات صعبة و موجعة أيضا، و تم تسجيل المعلومات الموثقة من مسئول المالية، بعد ذلك تم الإجتماع مع مسئول الإدارة القانونية الذي سأله المكلف بالإصلاح سؤالاً مباشراً: هل بالإمكان إيجاد حلول ودية مع أصحاب القضايا؟
و هل بالإمكان تقليص عدد القضايا المرفوعة ضد الشركة؟
و تم إعطاءه مهلة يومين للرد الشافي الوافي عن هذين السؤالين الهامين .. اللذين من خلال الأجوبة سيتبين الأمر بجلاء ..
بالطبع متوقع من مسئول الإدارة القانونية القيام باستيضاح الأمر مع المعنيين لمعرفة النوايا المبدئية و بيان التوجهات إن استطاع .. في مثل هذه الأمور يحتاج الأمر قدرات خاصة بالمفاوضة و الإقناع و حتى في فن الفراسة و البديهة، أنت تمثل شركة متعثرة تواجه احتمالات تصفية أمام أصحاب حقوق يعتقدون بأن الصح كله معهم و أنت حامل للخطأ، صعب جداً القيام بهكذا تكليف إلا بوجود شخص قادر على الإقناع و يملك مصداقية معقولة أمام العملاء، بالطبع بلا صلاحيات لن يستطيع الخطو خطوة واحدة، لذلك المستشار المكلف اجتمع به و استشفّ رأيه و أعطاه الصلاحيات المناسبة دعماً له. و تم الإتفاق على التواصل المباشر بأي لحظة ..
قام المستشار بعد ذلك بفتح ملف المكتب الرئيس الذي زادت أمور البهرجة على الناحية العملية فيه، فأول قرار إلغاء مركز الأبحاث و الدراسات و تحويل منتسبيه إلى مكتب الرئيس ريثما يتم توزيعهم على الأقسام المناسبة كلاً و تخصصه. هنا يطرح سؤال: لماذا البدء و بهذه السرعة بمركز الأبحاث و الدراسات؟
الجواب ببساطة: كان أشبه بالمركز الوهمي! يضم أحدى عشر مستشاراً غير متفرغ، يتقاضون مبالغ باهظة، و لم يقدموا مايشفع لهم بالاستمرار، أي ” شغل تنفيع” واستقطاب لمستشارين لا تستفيد منهم الشركة بل العكس، و أما بقية موظفي المركز عددهم بالكامل تسعة موظفين، هؤلاء تابعين للشركة فتمت إحالتهم حتى يجدوا مكاناً آخر بالشركة ليفيدوا و يستفيدوا ..
الأمر الآخر تبين أن الشركة تقدم معونات لأنشطة خيرية يكلفها ذلك تقريباً أقل بقليل من 5% من الدخل، و قد يقول القارئ جزاه الله خير، و أنا اقول أيضاً جزاهم الله خيرا، لكن مالذي تبين؟
أحياناً عند فتح الملفات و الإستقصاء تتبين أمور غير متوقعة، تبين يا قارئي العزيز أن المعونات الخيرية في الواقع توجه بغرض الدعاية و الإعلان و جل المبالغ تذهب كأتعاب لجهات معينة، هل أقول الموضوع تدخلت به الأخت العزيزة ” إنَّ “؟ ممكن .. لم لا !
بالطبع تم إغلاق مكتب الأعمال الخيرية بالضبة و المفتاح، و نقل موظفيه( عددهم ثلاثة فقط، لإن إدارة العمل من قبل المكتب الرئيس) إلى المكتب الرئيس ..
نقطة أخيرة قبل إنهاء هذا الجزء من المقال، و لا أعلم هل ستضحكك هذه المعلومة أم تبكيك؟
عند فتح الملفات تبين أيضاً أن الشركة متعاقدة لتأجير تسع سيارات أوروبية باهظة السعر كهدايا تقدمها لعدد من كبار العملاء؟
من هم كبار العملاء الذين يقودون السيارات الفارهة على حساب الشركة؟ لا استطيع الإفصاح .. الستر زين! طبعاً تم سحب كل السيارات و إعادتها للشركة المؤجرة، بعد مفاوضات بسيطة، انتهت بحلول مرضية للطرفين ..
عند فتح الملفات لا يستبعد العاقل ظهور المفاجآت، فالملفات الخاصة في أي شركة هي ” الصندوق الأسود”!
لذلك تكون المهمة الحقيقية للساعي للإصلاح هي إغلاق مكامن الخلل و ليس إبرازها، فوضع الحلول الناجعة يقدم على بحث أسباب مضى زمنها، و لا ضير من بحثها بعد نجاح الحلول.