الأنماط القيادية
د. سعيد بن راشد الراشدي
اهتم الكتَّاب والباحثين بالقيادة منذ زمن بعيد، لِما لها من مكانة كبيرة في المجتمعات القديمة التي أولتها اهتماماً كبيراً. وبتطور المجتمعات تطورت القيادة وزادت أهميتها في المجتمعات الحديثة وفي مختلف القطاعات الحياتية.
وخلال العقود الماضية تكونت قاعدة معرفية كبيرة من المفاهيم القيادية نتيجة للأبحاث والدّراسات المستمرة في هذا الجانب؛ مما أدى إلى ظهور أنواع مختلفة من الأنماط القيادية في المؤسسات المختلفة.
ولقد ذكر (العجمي،2000) ثلاثة أنماط وهي:
النمط الأوتوقراطي، النمط الديمقراطي والنمط الترسلي.
وسوف نتطرق في مقالنا هذا للحديث عن أحد تلك الأنماط وهو النمط الأوتوقراطي من خلال التعريف به ومميزاته، والسمات العامة لهذا النمط القيادي، وكذلك السمات التي يتميز بها القائد عند استخدامه لفكر واستراتيجيات هذا النمط من القيادة.
النمط الأوتوقراطي: The Autocratic Style
وهو أسلوب إداري يستخدمه القائد أو الإداري لقيادة مؤسسته التي يُديرها، حيث يستخدم القائد من خلاله الشدة والتخويف في تعامله مع العاملين معه في المؤسسة؛ لإرغامهم على تطبيق وتنفيذ الأوامر والتوجيهات التي يصدرها دون مراعاة لحاجاتهم الإنسانية وقدراتهم، ودون السماح لهم بمناقشته في تلك الإجراءات التي اتخذها، ولقد أطلق الباحثون على هذا النمط القيادي مسميات عديدة منها: النمط السلطوي، أو النمط المتحكم، أو النمط الفردي، أو النمط الديكتاتوري، حيث يتحكم القائد من خلال هذا النمط بكل مجريات الأمور في المؤسسة.
ويتميز هذا النمط القيادي بأن القائد يتفرد فيه بالرأي، والتحكم في مختلف جوانب العمل بالمؤسسة، ويقوم بعملية اتخاذ القرارات بنفسه دون مشاركة العاملين معه.
حيث تكون العلاقة بينه وبين العاملين معه يسودها الخوف والرهبة، وتنفيذ التعليمات دون مناقشة، وتكون عملية الاتصال غالباً بينه وبين العاملين معه عملية اتصال رأسية بمعنى إصدار التعليمات والتوجيهات والقرارات من الأعلى إلى الأسفل؛ وليس للعاملين الحق في إبداء آرائهم أو رفعها للقيادة العليا في المؤسسة.
وكما جاء في(عابدين،2001) تظهر السلبية عند العاملين في المؤسسة في هذا النمط القيادي؛ مما يؤثر بالسلب على وضوح الأهداف وتكون غالباً غير واضحة، أو غير معروفة لديهم.
وبالرغم من أن هذا النمط القيادي يؤدي إلى إحكام النفوذ والسلطة وانتظام العمل مع زيادة الإنتاج؛ وذلك بسبب الخوف والعقاب لدى العاملين، إلا أنه يكون على المدى القصير فقط، ويبقى تماسك العمل بالمؤسسة مقيداً بوجود القائد.
وقد تظهر مؤشرات بعدم الرضا لدى العاملين بعد فترات ليست بالقصيرة من خلال تبني هذا النمط كأسلوب قيادي او إداري في أي مؤسسة، مما يكون سبباً في إضعاف الروح المعنوية لديهم؛ وأيضاً يؤثر ذلك بالسلب على الإنتاج وجودة العمل في المؤسسة.
وقد ذكر (حسن وآخرون ،1985) بأن هذا النمط يتميز بسمات منها:
ضعف العلاقات الإنسانية بين الجميع في المؤسسة، وظهور الروح السلبية لدى العاملين، وانخفاض الروح المعنوية، وزيادة الشكاوى في المؤسسة، وارتفاع معدل الغياب بين العاملين، وكذلك شيوع الفوضى بين العاملين في المؤسسة في حالة عدم وجود القائد على رأس العمل.
ولقد ذكر (العجمي ،2000، 43) بأن القائد في هذا النمط يتميز بعدة سمات تتمثل في: قوة الشخصية ولا سيما في استعمال السلطة والنفوذ للتحكم بالعاملين في المؤسسة، وعدم تقبّل النقد من الآخرين، حتى ولو كان ذلك النقد إيجابياً، والتفرقة بين العاملين والتعامل معهم بغير عدالة، والتحكم في إصدار القرارات دون إشراك الآخرين معه، وعدم التراجع عنها.
ومن هنا نرى أن هذا النمط القيادي، ورغم قبوله ونجاحه في بعض المواقف، وخاصةً في الفترة الماضية، إلا أننا نراه يُسفر عن نتائج سلبية تظهر على مختلف جوانب العمل، والعاملين في أي مؤسسة، وخاصةً ونحن نعيش هذا التطور الهائل في ظل هذا العصر الرقمي والانفتاح المعرفي الهائل، الذي يتطلب منا التركيز والعمل وفق منظومة القيادة الحديثة، والتركيز على ضرورة إيجاد مناخ مناسب لمؤسساتنا بمختلف مجالاتها، وذلك من خلال الاهتمام بالجوانب الإنسانية للعاملين، ومن خلال إشراكهم في كافة جوانب العمل من تخطيط وتنفيذ واتخاذ القرارات الخاصة بالعمل، والاهتمام بهم ، وبقدراتهم وحاجاتهم المختلفة، لأن ذلك يفضي بهم إلى الرضا عن عملهم، مما يدفعهم إلى بذل المزيد من الجهد والعطاء، لذا نجد أن نجاح أي مؤسسة يرتبط ارتباطاً كبيراً بقائدها والعاملين معه، لذا على القادة اختيار الأسلوب القيادي الناجح الذي يخدم المؤسسة والعاملين؛ لما لذلك من مردود إيجابي على مختلف جوانب العمل بالمؤسسة.
هذا ولنا متابعة لاحقة لنمط قيادي آخر من أنماط القيادة في مقال آخر بإذن الله تعالى.