2024
Adsense
مقالات صحفية

مقال: اللغة العربية في منصات التواصل الاجتماعي

اليوم العالمي للغة العربية

جوخة بنت علي بن صالح الشمّاخية

جوخة الشمّاخية

لا يختلف اثنان على مدى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، ودورها الكبير في حياتنا، وقدرتها على تقريب البعيد؛ بسبب إمكاناتها، وتنوعها، وارتباطها بأجهزة الهواتف الذكية، التي استطاعت أن تغزو العالم، وتفرض وجودها بكل قوة، فانتشرت انتشارا منقطع النظير، ولا تزال تشهد تطورا كبيرا في عملية التواصل البشري، من خلال تطبيقات الدردشة الاجتماعية التي أتاحتها للناس، بهدف مشاركة الفكر والأنشطة والاهتمامات، ولعل أبرز هذه البرامج وأكثرها استخداما هي الواتس أب والفيس بوك وتويتر والانستجرام وخدمة البريد الإلكتروني التي لا غنى عنها.

إنّ التفاعل عبر هذه المنافذ الإلكترونية يتم من خلال الرسائل بشتى أنواعها، سواء أكانت مسموعة أم مكتوبة أم مرئية، وأداة التواصل الأساسية أثناء هذا التواصل هي اللغة، ويفترض أن أبناء كل أمة يتواصلون بلغتهم الأم، نعم يتعلمون لغات أخرى ليتفاهموا بها مع أصحابها، لذلك أرى أنه من المنطق أن يستخدم أبناء الوطن العربي لغتهم الأم أثناء تواصلهم مع بني جلدتهم من العرب، وحتى مع من يفهمون العربية من غير العرب، إذ إنها هويتهم وأداة لنقل ثقافتهم وحضارتهم.

إن التطور المستمر في عالم التكنولوجيا بشكل عام، وعالم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، كان له دور كبير في التأثير على استخدام العربية إيجابا أو سلبا، وما يهمنا هنا هو الحديث عن الصورة السلبية التي وصلت لها اللغة العربية المتداولة في منصات التواصل الاجتماعي الأكثر استخداما بين العرب، والتي من خلالها يتفاعلون، ويتبادلون الخبرات، ويتشاركون الأنشطة والاهتمامات.

العارفون باللغة الفصيحة من المتخصصين والمثقفين لفت انتباههم مدى استخفاف البعض في توظيفهم للغتهم، إما بسبب اللامبالاة، أو بسبب الجهل بقواعدها وقوانينها، حيث أصبح البعض يفتقر إلى انتقاء اللفظ المناسب وصياغة التركيب اللغوي السليم، وظهر الخلط بين الفصيحة واللغة الإنجليزية، وأيضا الخلط بين الفصيحة واللهجات العامية، بل وحتى اللهجات التي لا تنتمي إلى أصول عربية، أمّا الأخطاء الإملائية والنحوية والأسلوبية فحدّث ولا حرج، فهي من الصعب حصرها؛ نظرا لكثرتها وتفاقمها، ولا تزال في تزايد مستمر مع استمرار التهميش المقصود.

من أشكال هذه الأخطاء على سبيل المثال لا الحصر: حذف الحرف الأخير من بعض حروف الجر مثل: في وعلى ومن، حيث يكتبها البعض (ف، ع، م)، فنتج عن ذلك أكثر من شكل كتابي لتركيب الجار والمجرور، مثل : (فالبيت أو ف البيت ، عالكرسي ، ع الكرسي ،م السيارة، مسيارة) ، وحين تصحّح للبعض سيقول لك هذا اختصار، عجبا من خوّل لهم ذلك ؟! وأي اختصار في حرف أصيل؟! أيضا هناك أخطاء تقع في تعريف ما حقّه التنكير وتنكير ما حقّه التعريف، وعدم التمييز بين الهاء والتاء المربوطة، وبين التاء المفتوحة والتاء المربوطة، وبين الضاد والظاء، وعدم الفصل بين الكلمتين المنفصلتين مثل: (الحمدلله)، وعدم التمييز بين همزتي القطع والوصل، بل إن البعض قد يعرف أنها همزة قطع وواجب كتابتها، لكنه لا يبالي، وأحيانا يحدث العكس يكتبها وهي همزة وصل لا ينبغي كتابتها، والحال ليس بأفضل منه بالنسبة للهمزة المتوسطة، فمعظم الناس يجهلون قاعدة كتابتها، متى تكتب على ألف ومتى تكون على واو ومتى تأتي على ياء، ومتى تكتب على السطر، وتجد البعض يقلل من قيمة الهمزة، حيث يراها شيئا صغيرا، متناسيا بأنها أصل في الكلمة، وأنها الحرف الأول في المعجم العربي. ومن الأمثلة أيضا كتابة التنوين نونا، وعدم التفريق بين واو الجماعة والواو التي من أصل الكلمة أو المنقلبة عن أصل الواو (يرجو، يكتبوا)، والخطأ في كتابة الاسم المثنى وجمع المذكر السالم، نظرا لجهلهم بالموقع الإعرابي، ومن أمثلة التلاعب باللغة والتي ظهرت مؤخرا قلب كاف الخطاب جيما، مثل (كتابج؛ أي كتابك، وأمج؛ أي أمك). في الواقع من الصعب حصر جميع الأخطاء في مقال، فالقائمة تطول ولا تقصر.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا وصلنا إلى هذا الحدّ من الإسفاف باللغة ؟ ومن نحمّل مسؤولية ذلك ؟

هناك أكثر من إجابة لهذا السؤال، ولكن بداية لا يمكن أن نلقي باللوم على الناس كأفراد فقط ، وإنما نشرك في هذا اللوم سياسات الدول العربية ومتخذي القرارات، فلهم دور كبيرفي هذا الوضع الذي وصلت إليه اللغة العربية بين أهلها؛ بسبب تهميشهم لها، وإحلال اللغات الأجنبية مكانها، التي تمّ تنصيبها لتكون أداة للتدريس وللخطاب أحيانا، فما عادت العربية هي لغة التدريس في التعليم الجامعي ولا اللغة الأساسية في البحث العلمي، وما يدرّس في المدارس لا يسمن ولا يغني من جوع، إضافة إلى أن أساليب التدريس المتّبعة هدفها الامتحان فقط ، وليس غرس اللغة في نفوس الناشئة، فلا يوجد تطبيق علي القواعد من واقع الحياة ولا تُمارس اللغة داخل المدرسة وخارجها، وقمة التمجيد والتهافت على المدارس الخاصة التي يكون التدريس فيها بلغات أجنبية، بحجة أن ذلك تطور وتمدّن، مع أن الحقيقة التي لا يدركها البعض هي أن الطفل في سنوات عمره الأولى ينبغي أن يُدرّس بلغته الأم، وهذا ما تفقهه الدول الأجنبية جيدا، فلا تدرس أبناءها في سنواتهم الأولى سوى بلغتهم.

يأتي الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية والذي يوافق الثامن عشر من كانون الأول/ سبتمبر من كل عام بمثابة تجديد عهد وولاء للغة الضاد، هذا اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، فاستطاعت أن تُدهش الغرب بجمالها ومرونتها ومجازها. إن العهد الذي تنتظره لغتنا هو أن نعيد لها مجدها وسؤددها ومكانتها، ولن يتأتّي ذلك سوى بتكاتف جميع الجهود، فما عاد يكفي أن نعقد الندوات والملتقيات، ونخرج بتوصيات مكتوبة لا تجد صدى لها في الواقع.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights