حكايتي مع مسن 2
بقلم: سميرة أمبوسعيدية
حكايتي أسردها لكم على لسان صديقتي وهي قضية من قضايا عقوق الوالدين التي حذر الله من عواقبها.
تقول لي: “أشفق على حالي وأنا أسرد قصتي، والعَبرة تعصر قلبي وقلوب أخواتي”.
أمّنا التي أحببناها بعمق شديد ضحت من أجلنا، بذلت الغالي والنفيس إلى أن وصلنا لأعلى المراتب، منّا المعلمة ومنا المهندسة ومنا دون ذلك، كنا نرى سعادة أمي بتفوقنا في وجهها وهو يشع نوراً من شده الفرح، لم تقصر معنا بشيء منذ رحيل والدي وهي ترعانا بكل رغبة وحب، فقد توظفتْ كعاملة في إحدى مدارس قريتنا حتى تنفق علينا، ولم نكن أنا وأخواتي نقصر في حقها ورعايتها أبداً، و مضت الأيام و الليالي وكلّ منا كانت لها أسرتها الخاصة، وبدأ سيناريو الانشغال بالأسرة، والبيت والعمل، وبدأت تظهر على أمي علامات الوهن والتعب وأصيبت بعدة أمراض، وما كان لنا خيار سوى أن نأتي بعاملة مسلمة تقوم برعايتها بحكم انشغالنا وعدم التفرغ لها، كانت العاملة بشوشة الوجه وهادئة، وكانت تعامل أمي بطِيبة، وبدأنا أنا وأخواتي في الاعتماد كلياً على العاملة لرعاية أمي، وأصبحت كل واحدة منا لا تذهب طوال الأسبوع لزيارتها أو الاطمئنان عليها، وكنا ننتظر نهاية الأسبوع ونلتقي جميعاً مع أمي، لم نكن نهتم بها كثيراً وقت زيارتنا لها لأننا كنا نرى نظافة الجسم والملبس ظاهراً عليها، وكذلك نظافة البيت وترتيبه، ولكن صمتَ أمي كان ظاهراً في ملامحها، وتعابير وجهها ونظرتها لنا والدموع التي تملأ عينيها تنبئ بأن هنالك خطب ما، ولم نكن نكترث به، كنا ننشغل بضحكاتنا، ولهونا مع عيالنا، وخاصة نهاية الأسبوع هي الفرصة الوحيدة للقاءنا، المؤلم جداً في الأمر عندما ينتهي يومنا الذي نقضيه معها، كانت تبكي بشدة وتمسك أيدينا، ولسان حالها يقول: لا تتركوني، أنا محتاجة إليكم.
وفي اليوم التالي أصيبت أمي بجلطة أخرى وأصبح لسانها ثقيلاً، ولا تسطيع الحديث بوضوح، وكنا لا نعرف ماذا تقول لنا سوى البكاء وإمساك أيدينا لتعبر عما تشعر به من ألم، ومضت الأيام واليالي وتوفيت أمي – رحمة الله عليها – وأتت الرحمة والشفقة في قلبي لعاملة أمي، أخذتها لبيتي لرعاية أولادي والبيت بحكم أني موظفة، ولثقتي العمياء بالعاملة تركت لها البيت والأولاد كما تركت لها أمي سابقاً، وهنا بدأت رسائل الحذر تأتيني من الجيران بأنهم يسمعون صراخ أولادي وصوت العاملة مرتفع ولم أهتم بالأمر، وكان تبريري أن الأولاد يلعبون بصوت مرتفع وما زلتُ على سُباتي التام إلى أن أتت إحدى جاراتي تقول يا فلانة: احذري من العاملة، فأولادك أمانة وستُسألين أمام الله عنهم، ودبّ الرعب في قلبي وبدأت الوساوس في نفسي، ماذا يحدث في بيتي بدون علمي؟ وما كان لي خيار إلا إعلام زوجي بالأمر وبما قالته جارتي، وكان القرار بأن ناخذ العاملة خارج البيت، وقام زوجي بعمل كاميرات مراقبة داخل البيت ومضى اليوم ونحن على خوف من اكتشاف الأمر، ورأينا من العجب والعجاب ما تفعله العاملة بأولادي الصغار من الضرب والشتم وغيره من التعذيب، لم أتمالك نفسي، فقمت بضرب العاملة وأخذتها إلى مركز الشرطة لأخذ الإجراءات القانونية، لم تكن الصدمة الوحيدة التي رأيتها بما فعلت بأولادي إلا وأرى العاملة تضحك باستهزاء وتقول لي: أولادك واجد تخافين عليهم ولكن ما كنت في خوف على ماما سيم سيم، أضرب ماما بقوة، هنا كانت الصدمة الكبيرة، لقد اعترفت أنها كانت تفعل بأمي أشد العذاب، وأكثر مما كانت تفعل بأولادي، أيّ ندم أندم عليه بعد اليوم حين تركنا أمي مع عاملة وحدها في البيت وتفعل بها ما تشاء، لأنه لم يكن عليها رقيب، ولا أحد يردعها عن سوء تصرفتها، فرحتنا عندما كنا نجد أمنا نظيفة وقادنا إلى العقوق الخفيّ الذي لم نُلقِ له بالاً، كيف نمسح ذنوبنا بدموع أمّنا حين كانت تستنجد بصمت: لا تتركوني.
رحلت العاملة إلى بلدها وتركت لنا درساً نتعلم منه مدى الحياة، أنه لا ثقة مع عاملة مهما كانت من الدين والخُلق وإتقان العمل، فهي شيطان بوجه ملاك.
وأختم قصتي يا رفيقتي برسالة أوصليها للأبناء والبنات:
آباؤكم وأمهاتكم أمانة في أعناقكم، فرفقاً بهم، وتحملوا ضعفهم، لا تتركوهم مع العامل أو العاملة لوحدهم، راقبوهم حتى لا تسوّل لهم أنفسهم بأذية والديكم.