انتهى العيدُ والحظرُ ولمْ ينتهِ الحذرُ !
ريحاب أبو زيد
قضينا جميعاً عيدًا مختلفًا بهِ حظراً تامّاً لمْ يكنْ بهِ بهجةٌ للخروجِ والفُسحِ، ولكنْ كانَ بهِ بهجةُ التقربِ منْ ربِّ العزةِ، والأهلُ والأبناءِ وكلّ منْ معنا في نفسِ البيتِ، لذا وجبَ علينا أنْ نقولَ إنهُ عيدٌ مختلف.
كانَ فرصةً للتقربِ منْ ربِ العزةِ، ونثر الرحمةُ والمودةُ وأيضًا فرصةٌ للمناقشاتِ وللاكتشافاتِ ومعرفة آراء وأفكار منْ حولنا.
وبرغم أنهُ كانَ حظرًا تامًا عنْ كلِ شيءٍ ولكنَ منَحنا فائدةً كبيرةً ألا وهيَ إعادةَ ترتيب أوراقنا معَ اللهِ أولاً ثمَ معَ أنفسنا، وتغيير روتينِ يومنا، كذلكَ تغييرَ بعضٍ منْ ثقافتنا السائدةِ التي أوضحتْ تلكَ الأزمة أنها لا تنفعُ بلْ تضرُّ أحيانًا .
هلْ تساءلَ البعض كمُ مرة اجتمع معَ أسرتهِ وتحدثَ عنْ ذكرياتهِ وطفولتهِ أوْ عنْ مواقفَ معينةٍ قابلتهُ وخرجَ منها بدروسٍ مستفادةٍ؟
أوْ كم مرة اجتمع معَ أفرادِ أسرتهِ حولَ مائدةِ طعامٍ واحدةٍ جمعتْ كلَ أفرادِ الأسرةِ واحتضنتْ تلكَ المائدة الابتسامات والدفءَ الأسريَ الذي ينثرُ البهجةَ والسعادةَ على الوجوه؟
فلماذا لا نبحثُ عنْ الفوائدِ التي استفدنا منها منْ هذا الحظرِ التامِ؟ أليسَ هذهِ أولَ مرةٍ نجلسُ جميعًا دونَ أنْ ننفقَ أوْ نبذّر، أوْ نحرق بترول السياراتِ أوْ نخرجَ بكمامٍ ومعقم؟ فما أجملُ أنْ ترتاحَ الطبيعةُ أيضاً.
ألا يعتبر هذا درساً لا بدَّ منْ أنْ نكونَ تعلمنا منهُ جميعًا؟ وأتمنى أنْ نخرجَ منْ هذا الدرسِ وقدْ تعلمنا كيفَ نديرُ الحياةُ ونديرُ يومنا ونديرُ الأزماتِ بأقلِ التكاليفِ بعيدًا عنْ الإسرافِ والبذخِ، ونتعلم أيضًا أنْ نجلسَ في بيوتنا لساعاتٍ طويلةٍ لتحتضننا جدرانها ونحتضنُ نحنُ منْ بداخلها لتعمّ الألفةُ والمحبةُ ونبتعد قليلاً عنْ الهواتفِ والأجهزةِ الذكيةِ لنعلّمَ أولادنا لباقةَ الحديثِ والتفكيرِ الصحيحِ ونتعلمُ معهمْ.
فيا منْ كنتمْ ترونَ أنَ الحظرَ التامَ نقمة أقولُ لكمْ: إنهُ كانَ نعمةً ومنحةً فكانَ لهُ إيجابيات كبيرة يجبُ أنْ نقفَ عندها ونعمق التفكيرَ فيها لنجمعَ شتاتَ ما سرقهُ التقدمُ التكنولوجي والأجهزةُ الذكيةُ.
أخيرًا لا يعني عودةَ الحياةِ إلى طبيعتها، أوْ رفعِ الحظرِ انتهاءَ الجائحةِ والأزمة بلْ يعني أنَّ المسؤوليةَ انتقلتْ منْ الدولةِ إلى الفردِ، فنحنُ أصبحنا مسؤولينَ عنْ أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا بأكملهِ في هذهِ الفترةِ، ونحنُ منْ نشكلُ ونحددُ الأيامَ القادمةَ على حسبِ مدى تحملنا للمسؤوليةِ والتزامنا جميعًا فما زال واجبٌ علينا الحذر ثم الحذر ثم الحذر.
أسألُ اللهُ تعالى أنْ يرفعَ عنا جميعاً الوباء والبلاء ويحفظ بلادنا وجميع البلدان.