ابنك والعصر الرقمي
بقلم: الدكتور سعيد بن راشد الراشدي
لو رجعنا بمخيلتنا للوراء زمن الأجداد لوجدنا أنهم عاشوا حياةً صعبة ومشقة كبيرة وخاصةً في عملية التواصل فيما بينهم، فكانوا يقطعون المسافات الشاسعة، ويأخذون وقتاً طويلاً في قضاء مصالحهم، أو لإرسال خبر ما؛ وذلك بسبب قلة أو عدم وجود وسائل اتصال كما هي موجودة في عصرنا هذا، عصر الثورة المعرفية الهائلة، وعصر تنوع وسائل الاتصال بصورة كبيرة.
ويتميز هذا العالم الكبير الذي نعيش فيه اليوم بثورة معرفية هائلة، وانفجار معرفي هائل في مختلف القطاعات الحياتية المختلفة، وتعددت وتنوعت الوسائل التي تُعيننا على التواصل فيما بيننا، كباراً كنا أو صغاراً.
وقد أصبح هذا التطور الهائل والسريع في هذا العصر جزءً لا يتجزأ من مدخلات حياتنا اليومية، نحن وأبناؤنا، وقد أصبح امتلاكنا للأجهزة الإلكترونية الحديثة هو من الجوانب المهمة في حياتنا اليومية بغرض استخدامها في إنجاز أعمالنا الحياتية، واستخدامها في عملية التواصل فيما بيننا، وكذلك لا نغفل الجانب الترفيهي الذي يمكن أن نحصل عليه من توظيفنا واستخدامنا لتلك الوسائل الحديثة.
هذا التطور الهائل والسريع في مختلف وسائل التواصل في عصرنا هذا الذي يمكن أن نطلق عليه مسمى العصر الرقمي، تمخض عنه كثير من الجوانب الإيجابية في حياتنا وحياة أبنائنا، كذلك بعض الجوانب التي يجب أن نقف عندها ونحاول معالجتها.
وفي هذا المقال بإذن الله سبحانه وتعالى سوف نتطرق إلى أبنائنا ووسائل التواصل الاجتماعي وخاصةً ونحن نعيش في ظل تداعيات هذه الجائحة العالمية المسماة “Covid19” والواقع الذي يعيشه أبناؤنا في ظل هذا الزخم الهائل من التطور والسريع لمختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
وسوف نتطرق للجوانب الإيجابية لمختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وسلبياتها، ونعرج على بعض الطرق والأساليب التي يمكن من خلالها تعزيز تلك الجوانب لدى أبنائنا، وكذلك الدور الفاعل للنواة الأولى في تربية النشء ألا وهي الأسرة والمتمثلة في الوالدَين، ودورهما الفاعل في متابعة الأبناء وتوجيههم إلى توظيف واستخدام تلك التقنية فيما ينفعهم وينفع مجتمعهم ووطنهم.
ويتطلب منا ونحن نعيش هذا العصر المتسارع في الخطى وفي مختلف المجالات الحياتية، والتنوع في وسائل التواصل الاجتماعي أن نقف وقفة تأملية فاحصة عن ما يستخدمه أبناؤنا من وسائل مختلفة للتواصل الاجتماعي؛ للوقوف على ما هو مفيد لهم وما يضرهم ولا ينفعهم منها.
وهنا نذكر بعض الأمثلة للجوانب الإيجابية للتقنية الحديثة ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يمكن أن تعود على مستخدميها بالنفع والفائدة، وتتمثل تلك الجوانب الإيجابية في:
• توفير الجهد والوقت.
• جعل هذا العالم الكبير الواسع يعيش كالقرية الواحدة.
• تسهيل عملية التواصل الداخلي والخارجي بين الأفراد.
• وسيلة لمساعدة الدارسين والباحثين في البحث وتلقي مختلف أنواع المعرفة.
• يمكن اعتبارها وسيلة في عملية التسويق، وخاصة في ظل تداعيات هذه الجائحة العالمية “Covid19”.
وهناك الكثير من الجوانب الإيجابية لهذه التقنية الحديثة وهي ليست بغريبة على القارئ الكريم، حيث إننا نعيشها جميعاً في مختلف جوانب حياتنا اليومية المختلفة.
أما عن الجوانب السلبية للتقنية الحديثة ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يمكن أن تعود على مستخدميها بالضرر وعدم الفائدة عند الاستخدام غير المقنن لها، وتتمثل تلك الجوانب في أنها:
• تعتبر من مضيعات الوقت إذا لم نُحسن استخدامها بالشكل الصحيِح.
• تعتبر مكاناً غير آمن للأبناء من حيث الجوانب الصحية والاجتماعية.
• تعتبر وسيلة لنشر الإشاعات والأفكار الهدامة بين الأفراد إذا تم استخدامها بشكل غير صحيح.
• تؤدي إلى الانعزال عن المحيط الأسري والمجتمعي؛ مما يولد فقدان الثقة بالنفس لدى الأبناء.
هذه فقط بعض من الأمثلة لتأثيرات هذه التقنية الحديثة لدى مستخدميها وخاصة الأطفال. وهنا كان لزاماً علينا طرح بعض البدائل والاستراتيجيات التي نراها يمكن أن تُعالج من تلك الجوانب السلبية لدى أبنائنا والتي تتمخض من جَرّاء استخدامهم للتقانة الحديثة بصورة خاطئة، وتتمثل تلك البدائل والاستراتيجيات في:
• غرس وتقوية الجانب الديني في نفوس الأبناء.
• القدوة الحسنة للأبناء، والعمل بثقافة الاحتواء الأبوي الرحيم للأبناء في المحيط الأسري.
• العمل على تقنيين استخدام وسائل التواصل والتقانة الحديثة بشكل عام في المنزل من خلال تحديد الأوقات والأماكن التي يستخدم فيها الأبناء لهذه الوسائل.
• طرح المسابقات الهادفة بين الأبناء في المنزل من خلال توجيبيهم للبحث عن معلومة معينة، أو الكتابة عن جانب تراثي من الوطن العزيز، أو البحث عن الشخصيات العمانية التاريخية والحديثة.
• إلحاقهم بالدورات التدريبية والتعليمية، وكذلك المراكز الصيفية وخاصة في الإجازات الصيفية.
• إعداد ركن خاص بالمنزل للمكتبة المنزلية وتزويده بمختلف الكتب، والقصص لتعزيز مواهب الأبناء وتشجيعهم على القراءة.
• توظيف الجوانب التعزيزية الهادفة للأبناء في المحيط الأسري وخارجه.
• تعويد الأبناء على مرافقة الأب في الذهاب للمجالس العامة والمنتشرة في ربوع ولايات السلطنة؛ لكسب العادات، والتقاليد، والأخلاق الفاضلة من مخالطتهم لأصحاب الفكر والصلاح في تلك المجالس، وكما جاء في الأمثال “المجالس مدارس”.
أخي القارئ: هناك الكثير من البدائل والأساليب التي يمكن لأولياء الأمور استخدامها مع أبنائهم؛ وذلك لمعالجة الآثار السلبية التي يمكن أن تلحق بهم جَراء استخدامهم للتقانة الحديثة في هذا العصر بصورة خاطئة.
وأخيراً وليس بآخر نقول: إن التقنية الحديثة “وسائل التواصل الاجتماعي” بمختلف أشكالها هي من نِعم الله علينا، وتعتبر سلاحاً ذو حدين، ويبقى الاختيار باستخدامها مرهون بالمستخدم بنفسه.