المطالبة بتحرير المرأة
يعقوب بن محمد بن غنيم الرحبي
Yaq98@hotmail.com
بين الحين والآخر تظهر أصوات ترفع شعار تحرير المرأة، وهذا الشعار أسسته حركة، الغرض منه كما تقول: تحرير المرأة وإعادة حقوقها، وعلى أساس إلغاء منظومة القوامة، والمساواة بينهم في كل شوؤن الحياة، وفي الحقيقة هي كلمة حق يراد بها باطل، يقصد بتحرير المرأة: القضاء على الأفكار التي تنظم الأسرة والمجتمع وأن تتخلى المرأة عن عفتها وكرامتها، لأن كرامة المرأة وعفتها هو التزامها بقيمها، ومن أهم هذه القيم أن تكون تحت كنف الرجل والأسرة، وبينهم مودة ورحمة وتفاهم في شوؤن الحياة بما يحفظ به كيان الأسرة.
ولا شك تماسك المجتمع مرهون بالمحفاظة على هذه الزوجة العظيمة، أما أن تكون المرأة حرة في تصرفاتها، تفعل ما تشاء، وتذهب أين ما تشاء دون علم الزوج أو الاب، هذا ليس له وجود إطلاقا في كل القوانين والأعراف والشرائع، بل كل من الزوج والزوجة يسيران جنبا إلى جنب وفق منظومة أسرية متكاملة، تحمل في طياتها حقوق وواجبات، ومن هذه الواجبات على الزوج أن يتكفل برعاية زوجته وأسرته وأن يحميهما من المخاطر وأن يوفر لهم سبل العيش والراحة الإطمئنان، ولا شك لن يتحقق هذا إلا وفق تعاون كل من الزوج والزوجة، فلا يقبل الرجل أن يرى زوجته أو اخته أو ابنته سلعة رخيصة تجوب الأسواق أو عارية على الشواطي، أو تسافر دون صحبة محرم إلا في الحالات الضرورية في طلب العلم مثلا، ولا يمكن أن يقبل أن تكون صورتها على لائحة الإعلانات أو عارضة أزياء، أو عشيقة رجل أخر.
في الحقيقة هذه هي الحقوق التى تطالب بها هذه الحركة النسوية اليوم، وهي مرفوضة لأنها تنتهي بتفكك الأسرة وضياع المجتمع ونتائجها ما نراه في كثير من المجتمعات العربية من تزايد في حالات الطلاق والإنفصال والإنحلال، الرجل يريد أن تكون لديه زوجة عفيفة واعية مدركة بحقوقها وواحباتها تحفظ كرامته كما يحفظ كرامتها وتٌخرج من مدرستها رجال وأبطال متسلحون بالعلم والمعرفة، و المرأة اليوم في ظل هذا الدين نالت كافة حقوقها، وحريتها مكفولة وفق الضوابط الشرعية والقانون، بعكس ما عليه في المجتمعات والأمم الأخرى، فالمرأة عندهم رخيصة ليست لها قيمة تجدها تٌكنس الشوارع وتبني المباني وتعمل في المخامر والمخاطر، وتكدح ليلا ونهارا، وحقوقها مهضومة وتنتهشا الذئاب المتوحشة، أما المرأة في مجتمعاتنا وفق النصوص الإسلامية الواردة بشأنها سواء أكانت مفاهيم أو تصوّرات أو أحكاماً وآداباً نجدها تتخذ مسارا إستراتيجيا عاما الذي يحرص الإسلام الحنيف على البلوغ بالمرأة إلى أعلى المراتب في المجتمع والحضارة.
وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا التوجه في أكثر من نص صريح كقوله تعالى في تقرير حقيقة خلق الرجل والمرأة وأنّهما جنس واحد متكامل في حقيقة تكوينهما: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء/ 1). وهذا النص القرآني الكريم إعـلان صريح بخطأ كافة التصوّرات والأفكار والعادات والتقاليد والقواعـد التي تعارف عليها المجتمع بشأن المرأة ورفضه للنظرة الضالّة الشائعة عن خلقها وتكوينها وموقعها في الحياة الإنسانية مما تصوّرته الجاهلية العربية واليونانية والرومانية والفارسية والمصرية قبل بزوغ الإسلام العظيم وبناءا على هذه النظرة الإلهية للمرأة تأتي تفصيلات الأحكام والفرائض والمفاهيم والرؤى حول المرأة كقوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97). (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة/ 72). (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة/ 228). (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) (النساء/ 7) هل هناك عدل أو مساواة في الحقوق أكبر من هذه المساوة.
أما ما تفعله بعض المجتمعات الإسلامية المتخلفة من ظلم المرأة أو انتهاك حقوقها أو حرمانها من حق التعليم والمشاركة في خدمة مجتمعها فهو ليس له علاقة بالإسلام أبدا ومنافي لصريح القرآن الكريم في الآيات والنصوص التي اشرنا إليها فلا يعتبر حجة.