البيتكوين.. عملة بلا هوية
بقلم د. محمد رمضان
مدرس مساعد بكلية السياحة والفنادق بجامعة الفيوم-مصر
باحث دكتوراه بجامعة داليان للتكنولوجيا-الصين
لا شكّ أن الثورةً التكنولوجية والرقميةً التي شهدها العالم قد شملت كل جوانب حياتنا، وكان لعَالَم المال والأعمال نصيبًا من هذا التطور التكتولوجي والرقمي، إذ قام شخصٌ مجهول الهوية يُدعى ساتوشي ناكاموتوSatoshi Nakamoto باختراع عملة رقمية تسمى بالبيتكوين Bitcoin , ومن ثم تبعه ظهور مئات من العملات الرقمية المشفرة، أصبحت فيما بعد تلك العملات الرقمية أهم مايشغل بال الاقتصاديين حول العالم.
ونتيجة الارتفاع والهبوط الكبير وغير المبرر في أسعارها عالميًا, تم وصف تلك العملات الإلكترونية على أنها فقاعة اقتصادية من قِبل ثمانية علماء من الحائزين على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية.
والبيتكوين هي عملة مشفرة Cryptocurrency, إلكترونية رقمية, وهمية, وافتراضية لا مركزية- ولطالما كانت العملة اللامركزية كابوسًا للنظام المالي العالمي والبنوك المركزية- يتم تداولها من شخص إلى آخر عبر شبكة البيتكوين بنظام الند للند Peer-to-Peer-P2P؛ ما يعني أنها ليس لها أي وجود مادي، وبالتالي فهي تختلف عن بقية العملات التقليدية المتعارَف عليها، فالجنيه والدولار واليورو وغيرها من العملات التقليدية لها وجود مادي ملموس على عكس العملات الرقمية، التي يتم استخدامها من خلال شبكة الإنترنت ولاتتحكم فيها أي سلطة مالية أو بنوك مركزية.
تم إنشاء عملة البيتكوين بواسطة ساتوشي ناكاموتوSatoshi Nakamoto، وهو الاسم المستعار له؛ إذ إنه حتى وقتنا الحالي لم يتم التوصل إلى حقيقة هذا الشخص أو الجهة الفعلية وراء إنشاء هذه العملة. وفي ورقة بحثية لناكاموتو بعنوان Bitcoin: A Peer-to-Peer Electronic Cash System، عرّف ساتوشي، البيتكوين بكونها: نسخة رقمية من نظير إلى نظير، تسمح بإرسال المعاملات المالية عبر الإنترنت مباشرة من طرف إلى آخر دون الحاجة للمرور أو التقيد بمؤسسة مالية وسيطة كالبنوك المركزية أو ما شابه.
في هذه الورقة أيضًا ابتكر ساتوشي ناكاموتو حلاًّ لأكبر معضلة في تاريخ المعاملات المالية الإلكترونية وهي الإنفاق المزدوج، حيث أوضح كيف يمكن نقل حوالة مالية من شخص إلى آخر دون السماح للمستخدم أن ينفق مبلغ حوالته أو دفعته الإلكترونية مرتين، والأهم من ذلك أن المعاملات المالية تتم دون الحاجة إلى سلطة مالية أو وسيط مركزي لكي يدير العملية المالية الإلكترونية.
توفر عملة البيتكوين فُرصًا مشابهة للخدمات المصرفية؛ وهناك إمكانية أن تصبح هذه العملة الرقمية بديلاً لبطاقات الخصم و الائتمان المصرفي في المستقبل, حيث تعتمد البيتكوين على تقنيةBlockchain Technology كأداة للتعدين الرقميTechnological Mining، والتي تميزها بشكلٍ أساس عن جميع العملات الرقمية وأنظمة الدفع التي تم إنشاؤها حديثًا, و تتحكم فيه خوارزميات رياضية ذكية تقوم بتشفير كل المعاملات في سلسلة الكُتل Blockchain.
لا ترتبط البيتكوين بأية أصول مادية أو عملات ورقية “رسمية”، ويتم تنظيم سعر عملة BTC الرقمية فقط من خلال العرض والطلب في أسواق العملات الرقمية عالميًا, ويسمح نظام عمل البيتكوين بتعدين أو إنتاج 21 مليون عملة رقمية مشفرة فقط، بينما تم بالفعل تعدين أكثر من 18 مليون عملة بيتكوين حتى عام 2020، أي حوالي 85% من إجمالي المعروض.
والتعدين هو إجراء ضروري لإنتاج هذه العملة, حيث يُعدن البيتكوين بحلّ مسائل رياضية معقدة بواسطة أجهزة حاسوب ذات قدرات عالية للغاية، ووفق خوارزميات البيتكوينBitcoin Algorithms توجد خطتين لإنتاج أو تعدين البيتكوين:
1. المدى القصير: وفيها تسمح الخوارزميات بإنتاج متسارع من البيتكوين ابتداءً من عام 2009 ويقلّ التعدين تدريجيًا كل عام إلى أن يتم تعدين 20 مليون بيتكوين مع نهاية 2024.
2. المدى البعيد: يتم الإنتاج بشكل بطيء إلى أن يتم تعدين 21 مليون وحدة مع نهاية عام 2140, وهو العدد الذي حدده ساتوشي ناكاموتو في ورقته البحثية المنشورة عام 2008.
ويرجع السبب وراء قيام ساتوشي بتحديد الحد الأقصى من تعدين عملة البتكوين هو منع حدوث تضخم في أسواق العملات الرقمية كالتي حدثت نتيجة الأزمة المالية العالمية في عام 2008؛ بعد إطلاق عملة البيتكوين أوضح ساتوشي أن المقصود من عملة البيتكوين هو أن تكون نادرة في العالم.
يتطلب تشغيل عملة البيتكوين طاقة كهربائية أكثر مما تتطلبه نيوزيلندا وبلجيكا معًا, كما و تتطلب عملية التعدين استهلاك طاقة كهربائية تعادل ما تستهلكه 7 محطات نووية عملاقة.
وفقًا لدراسة أُجريت من قِبل مؤشر استهلاك البيتكوين للكهرباء بجامعة كامبريدج، أشارت نتائجها إلى أن الآلات التي تُستخدم لتعدين عملة البيتكوين تتطلب طاقة أكبر من تلك التي تستهلكها هولندا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 17 مليون نسمة، باستهلاك سنوي يقارب 121 تيراوت في الساعة, وأشارت الدراسة أيضًا إلى أن شركة “Google” استهلكت 12,2 تيراوات في الساعة عام 2019؛ أي أن تعدين عملة البيتكوين يستهلك 10 أضعاف استهلاك شركة جوجل للطاقة الكهربائية, كما أن مجمل مراكز البيانات في العالم، باستثناء تلك التي تُستخدم لتعدين الـبيتكوين، تستهلك نحو 200 تيراوات في الساعة.
وبالتالي لو كانت عملة البيتكوين دولة لكان ترتيبها ٣٠ على مستوى العالم استهلاكًا للطاقة الكهربائية. وتتصدر الصين دول العالم في حجم تعدين البيتكوين، حيث صكت 65% منها في أبريل الماضي، تلتها الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 7%، ثم روسيا بنسبة 6.9%.
وقد ارتفع سعر عملة Bitcoin بشكل مبالغ فيه على مدار العقد الماضي للأسباب السابق ذكرها؛ في أبريل 2011، كان سعر تلك العملة يعادل 1 دولار فقط, إلا أنها تجاوزت قيمة 1000 دولار لأول مرة في يناير2017 قبل أن تصل إلى الذروة في وقت لاحق.
منذ 2017، شهدت قيمتها طفرات من الزيادة غير المتوقعة، ارتفع سعر البيتكوين إلى أكثر من 17000 دولار بنهاية عام 2017، وانخفض إلى ما يقرب من 3000 دولار بعد عام واحد, ومن ثم ارتفع سعرها مرة أخرى ليصل إلى مستوى قياسي يقترب من 65000 دولار في عام 2021 قبل أن يتراجع مرة أخرى مطلع هذا الشهر؛ حيث يتراوح تدوال عملة البيتكوين حاليًا بين 31000 دولار و 35000 دولار عالميًا.
والجدير بالذكر أن البيتكوين ليست هي العملة الرقمية الوحيدة, حيث يوجد أكثر من 5000 عملة رقمية مشفرة موجودة في أسواق العملات الرقمية عالميًا، ولكن قيمة البيتكوين السوقية أعلى بنسبة 40٪ من قيمة أكبر 10 عملات رقمية مُجمعة.
بلغت القيمة السوقية للبيتكوين أكثر من 654 مليار دولار اعتبارًا من يونيو 2021، تلتها عملة Ethereum بأكثر من 234 مليار دولار و XRP بأكثر من 68 مليار دولار.
وبالرغم من استحواذ عملة البيتكوين على قيمة سوقية تجاوزت 65 ألف دولار في عام 2021، وزادت شهرتها على نطاق واسع في سوق العملات الرقمية محليًا وعالميًا على مدار العقد الماضي إلا أنه لا أحد يعرف الاتجاه المستقبلي للعملات الرقمية المشفرة.
وأخيرًا: في مقالتي القادمة -إن شاء الله تعالى- سوف أتناول بالشرح العلاقة بين الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence والعملات الرقمية المشفرة Digital Cryptocurrencies ودورهما في تعزيز النمو والازدهار الاقتصادي للدول النامية في ظل جائحة كورونا.