حشر مع الناس عيد
أحمد بن موسى البلوشي
كتب الكاتب والباحث الأردني إبراهيم عيـسى كشـت قصة، وقال فيها: “قفزَ الثعلبُ الى الأعلى مرّات عدّة، لكنه خابَ في التقاط قُطف العنب المُتدلّي، وحين يئس من المحاولة، نظر الى حبّات العنب العنقودية المتلألئة بازدراء، وقال: إنّه مجرد قطف من الحصرم الحامض” ثمّ فسر سلوك الثعلب في ذمّ العنب وقال: “الواضح أنه كان لدى الثعلب دافع قوي نحو التقاط قطف العنب لإشباع حاجاته ورغباته، غير أن المعيقات المتمثّلة على نحو خاص بارتفاع القُطف أكثر من قدرة صاحبنا على القفز، قد حالت دون تحقق الدافع لديه، ودون إشباع حاجاته، مما أورثه الإحباط، بما فيه من ألم وضيق وإحساس بالمهانة، ومشاعر عدوانية، وبما فيه من تأثير على التوازن، فأخذت استجابته صورة التقليل من شأن ما لم يصل إليه، سعياً نحو استعادة التوازن النفسي الذي تخلخل لديه”.
والقصّة أعلاه تنطبق على أسلوب تفشّى وانتشر في الآونة الأخيرة في أغلب المجتمعات وشرائحه المختلفة، ونستثني منها لا شك – المجتمعات ذات الثقافة العالية، والنضج الفكري، والمعرفي-
حيث يقوم البعض بالانتقاص من إنجازات الآخرين وأعمالهم، والتقليل من شأنّها، والسخرية من الجهود المبذولة من قبل بعض الأفراد والمؤسسات، دون دليل أو حجّة مقنعة، ونلمسه للأسف في جميع مجالات الحياة والاقتصاد، والأعمال واللّجان والمجالس، وحتّى على مستوى البيت الواحد والأسرة الواحدة!
وهو دليل على وجود شخصيات غير متّزنة، ونفوس ضعيفة، وتعاني من عقد النقص وجهل في التفكير، وخوف من مجابهة الحياة.
ولو تتبعنا واقع هؤلاء الأشخاص لوجدناهم لا يملكون الخبرة التي تؤهلهم لتقييم أعمال الآخرين، ولا تخصصاتهم تساعدهم على ذلك، بل إنّ بعضهم ينتقد فقط من باب أنّ شخصا ما سبقه في انتقاد الآخرين، وقام هو بالمشاركة دون وعي أو فهم لطبيعة العمل الذي تمّ انتقاده!
والأدهى والأمرّ استسهال إصدار الحكم على الآخرين، وأصبح من العادي أن يحكم التاجر على عمل مهندس البترول بالفشل، وكأنّه متخصص في هذا المجال!
ويقول علماء النفس: “إنّ التقليل من شأن الآخرين أسلوب يلجأ إليه الإنسان استجابة لما لحقه من إحباط نتيجة عدم قدرته على تحقيق دافع لديه” أي أنّ المبرر لهذه التصرفات التي تصدر من بعض المنتقدين تدلّ على أنّ الشخص المُنتَقِد لم يستطع تجاوز التحديات في حياته، أو عمله؛ ولذلك يقوم بتقصّي وتتبع أخطاء الآخرين والتقليل من شأنهم ونجاحاتهم وأعمالهم، والقرارات التي يتّخذونها.
لذلك يجب علينا جميعاً أن نحترم أعمال ونجاحات الآخرين ونقدّرها، ويجب ألّا ننسى نقطة في غاية الأهمية؛ وهي أنّنا لا نملك نفس الخبرات ولا نمتلك الدراية العامة بجميع التخصصات، كما أنّ التقليل من الآخرين وأعمالهم ونجاحاتهم يعتبر مدمرًا لهم، وبالتالي يقلل من ثقتهم بأنفسهم، فإن كنت مختصًا وصاحب خبرة في أي مجال فيمكنك أن تنتقد بإيجابية وتقدم النصح والمقترحات التي يمكن الاستفادة منها، وهنا نقطة في غاية الأهمية ليس شرطا أن أكون موظفا في جهة معينة وأكون ملما بكل ما يدور فيها، وليس من حقّك أن تنتقد عمل أي جهة أو أي شخص وإن كنت في نفس المجال وأنت لا تمتلك الكفاية والخبرة الكاملة في الموضوع، وهنا ينطبق المثل الذي يقول حشر مع الناس عيد.