تزودوا
أسماء المخينية “الغبر”
صعبة جداً الأحوال التي نمر بها في زمننا الحاضر هذا، وغياب الحياة الجميلة والمشاعر الطيبة والمشاركات التعاونية وتبادل الحوار بين الأهل والأحبة والرفقاء، وأصبحنا نرقص على أوتار التغيرات الساحرة ولا ندرك بقوة الغربة التي تعيشها قلوبنا وتأخذ من أوقاتنا ما بقى من أعمارنا، لدرجة أن عقولنا بدأت بالضمور وأفكارنا نخبرها لأنفسنا، وفائدتنا منها لا تتعدى الجدار الذي نتكىء عليه فقط، أصبحنا في حداد فالصمت يخيّم على مجالسنا، والجنون الذاتي لا يستغرب منه أحد، فذاك يضحك ويتحدث ولا أحد أمامه سوى جهاز صغير ملك لب المستخدم وعقله ونور عيناه، وذلك في ظل وجود الأجهزة الذكية المتنوعة والمختلفة، فواللهِ لو تعلمون نحن في غربة عاطفية مؤلمة وتقصير روحي باهت، ويجرنا إلى التعود والقبول بتقلبات الوضع الراهن، والمؤسف معرفتنا بالشيء وإحساسنا مع ذلك نحن خاضعين للاستجابة لكل ما هو جديد؟ يزيدنا فقراً عاطفياً وجفاءً معنوياً، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأعتقد أنه قد سبق قولي الكثير ممن تحدثوا بهذا الأمر، والكثير منهم أوضحه وبينه، وأعطى الحلول والإرشادات الناصحة لتقوية العلاقات البشرية خاصة بين أفراد المجتمع والأسرة، إلا أننا ما زلنا نقول ونسأل ونرجو ونأمل، ونحِن إلى الأمس كنا فيه يداً بيد مع فرحة أحبابنا وإحساساً صادق مع أحزانهم، والذي أريد الوصول إليه في كلامي هو غياب الحس الروحي والتواصل المحمدي في علاقتنا مع الأخرين ، لعمري إنها حرب دمرت العقول وقضت على الأفكار المنيرة والأخلاقيات الرحيمة التي بناها لنا إسلامنا الحنيف، وأرشدنا إليها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، ففي الفترة الأخيرة التي مضت من حرب كرونا ومصارعة الأحزان فيه كثرت الوفيات وتزايدت الحالات الصعبة وكثر الترقيد، وتفاقمت حكاية نقص الأكسجين والإرهاق، فعاش الناس في قلق وخوف واكتئاب يومي، حتى اللقاح لم يسلم من هجوم الإشاعات وإجبار النفوس على التردد من أخذها أو عدمه فكلاً يدلي بدلوه، وكل يغرد في سربه، وهدير كرونا المستمر وتحوراته المحيرة أصبحت تسيطر على الأمة أجمع، فكما يبدوا أن غزوة كرونا مستمرة حتى يقضي الله أمراًً كان مفعولا، ثم أن عنوان مقالتي هو رسالة مجربة أبعثها إليكَ وإليكِ وإلى من تحبون نصيحتهم وتذكيرهم؛ اعلموا لم يبق لنا شيئاً، ولا بأيدينا حيلة ولا بإستطاعتنا شيء، فالجميع في قبضة التكنلوجيا العنيفة القوية الشرسة التي تمكنت منا وقيدتنا بخيوط ضعيفة مثل خيوط العنكبوت . كما وأصبح إثمها أكبر من نفعها، فحازت على أوقاتنا فضيعتها بلا منفعة ولا خير عائد، فمريضنا في غرفة الإنعاش يعاني سكرات الموت، فصدمة الخبر غابت بلحظاتها حين عانقت أيدينا جهازنا الحبيب، ووفاة الغالي مداها ثانية ودقائق فصاحب الثانية ينسى أن هناك دعوة تقال “وهي ” إنا لله وإنا إليه راجعون ” فيهرع إلى حالته الهاتفية ليكتب أبي أو أمي أو أخي أو عمي في ذمة الله ويعاود النظر لهاتفه بين الفنية والأخرى وصاحب الدقائق يتنظر دقائق لتجهيز الجثة باكياً، وما إن ترفع في سيارة الموتى حتى يشرع إلى حالته ليخبر الجميع عن حزنه وألمه وفقدانه لعزيز لديه، أما صاحب السويعات ينتظر إلى أن يخرج نعش المفارق من ردم البيت ليبدأ في البحث عن رفيقه الصغير ليرى من عزاه، وما هو جديد الأخبار وهكذا، وأقول مراراً وتكراراً ليس الكل ولكن الأغلب فتزودوا يا أولي الألباب، وانتبهوا فحال الزمن تغير والغزوة الفكرية مستمرة وسرقة الأذهان قائمة؛ ففروا إلى الله، وعودوا إليه بمئة تسبيحة في اليوم، وصفحة من القرآن، وركعتان لله، وذكر الشهادتين بين الساعة والساعات أجر وخير لنفسك، فلن يذكرك أحد حين تُوارى الثرى، ولن يدعو لك أحد طول اليوم إلا من رحمه ربي بالصلاة، فكلنا سرقتنا الهواتف وشغلتنا الحالات وسحرتنا التطورات.
إنا لله وإنا إليه راجعون .