كيف تقضي على البطالة؟ (9)
يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
“إنَّ من الحق على الدولة أن تُعلم البخلاء كيف يكون الكرم والجود بسلطان القانون إذا لم يصدر عن يقظة الضمائر وحياة النفوس” طه حسين.
تحدثت في مقالات سابقة عن عدة أفكار وارتباطها بمحاربة البطالة، وعددت عدة نقاط، والحديث عن البطالة لاتكفيه حتى كتب، وليس فقط مقالات قد يقرأها صاحب القرار وقد يمر عليها مرور الكرام، إنما الأكيد أنها تعتبر بمثابة قضية أمن وطني، نظرًا لحساسيتها وارتباطها المباشر بحياة ومعيشة المواطن.
أهمية القضاء على البطالة أن ذلك يُسهم في دعم تسهيل متطلبات الحياة وتحسين المعيشة، مما يدعم بشكل مباشر رفاهية الفرد، وتحقق الاستدامة الاقتصادية للبلاد من خلال ميزان التوازن بين البيع والشراء في قطاعات التجزئة وغيرها، حيث كلما زاد الدخل الفردي للفرد انعكس ذلك على تقدم في القوة الشرائية، كذلك الرفاهية تساعد في المناعة المجتمعية ضد الجرائم وكثير من المشاكل الأمنية والاقتصادية، وفي مقال سابق ذكرت وشددت على أن الشاب العاطل هو مشروع جريمة، إن لم يجد تعاضدا من الدولة والمجتمع لعدم إبقائه خارج دائرة العاملين ذوي الدخل الثابت (أقصد الراتب).
لو تأخذ جولة سريعة على الدول المتقدمة وتقارنها بالدول الناشئة، سنجد البون واسعًا في ميزان الدخل الفردي، وينعكس ذلك حتى في معدلات انتشار الجريمة، لذلك الدولة الذكية لا يمكن أن تقبل بمشكلة البطالة؛ لأن توابعها على أكثر من مسار، هناك دول تقدم معونات مالية بشروط وبنود معينة للعاطلين حتى تقلل قدر الإمكان من المخالفات الفردية والجرائم، لاشك أنه لايوجد قانون ولا قرار بإمكانه منع الجريمة، لكن ممكن جدا تقليلها إلى أقل معدل ممكن.. أحوال الدول وأرقامها تقول ذلك.
من العوامل المساعدة لرفاهية الفرد وتقوية حالته المادية هي الرقابة الصارمة على الأسعار، حتى لا يتمكن التاجر من أن يرفع الأسعار وفقًا لمزاجه أو خططه الخاصة؛ بل تكون هناك لوائح ونظم تصب في اتجاه تثبيت سعر عادل ومناسب للتاجر والمستهلك؛ لأنه بحسبة بسيطة سنجد أن كبح الأسعار يأتي بمردود مُباشر على محفظة الفرد المالية، وقد يستطيع حتى الادخار. وعلى ذكر الادخار من المهم أن تقوم الدولة عبر الجهات المختصة بتشجيع المواطنين على الادخار من خلال فتح قنوات إدخارية معينة عن طريق البنوك وشركات الاستثمار والمساهمات الزراعية والصناعية وغير ذلك. والادخار بالذات له شؤونه ويحتاج مقالا لوحده وليس فقرة بمقال، والكل سمع المثل الشهير “الفلس الأبيض ينفع باليوم الأسود”، ومناسبة الاستدلال أن كل من يعمل بوظيفة من المهم أن تكون لديه محفظة إدخارية خاصة حماية له من تبعات الزمان، وأيضًا من الخوف من تسريح من الوظيفة لا سمح الله، أو مصاريف علاج طارئة، سلم الله الجميع.
قد يقول قائل اشترك بالتأمين الصحي (على اعتبار أنه موجود وأمورك طيبة)، وفي الحقيقة أن التأمين الحقيقي هو توفيق الله ثم محفظتك المالية الخاصة (أي جيبك)؛ لأن الحياة لا أحد يضمن مساراتها ولا تقلباتها، والحصيف من اتِّعظ بغيره، ووضع أسوأ التوقعات واستعدَّ لها.
سبب مهم قد لا يعرفه الكثير وهو أن الفساد آفة الدول، وسبب للكثير من مشاكلها، والفساد شريك أساسي في مشكلة البطالة، وهو فساد إداري مالي، لذلك فإنَّ محاربة الفساد إحدى الخطوات المهمة لحل قضية البطالة.
فيما سبق تحدثت عن رفاهية الفرد وتعزيز الدخل الفردي والادخار، وكذلك ضرورة قيام الدولة بواجباتها تجاه هذه الأوضاع، ولماذا الدولة؟ لأن الدولة هي المهيمنة على الأوضاع والجانب الموثوق فيه شعبيًا والقادرة فعليًا على تبني المبادرات المجتمعية وتنفيذها، وكذلك دعم القطاع الخاص للقيام بواجبه المحوري في استيعاب الأعداد المتزايدة سنوياً من أرقام البطالة.