ثمَّ ماذا؟
العنود الهنائية
أستيقظ صباحاً بعد صراع كبير بين فكي اللا والنعم، أأستيقظ أم أستمر في جبر نفسي على النوم، ثم أستيقظ أخيراً وقدمي تمقت الوقوف وأتهاوى قليلاً حتى أصل إلى باب الغرفة أحاول ارتداء وجهي جيداً – ابتسامة عريضة وعيون ضاحكة – أخرج وبعضي يشدّ على بعضي كي اتماسك جيداً، – صباح الخير- أقولها وأنا كلي رجاء أن يكون هذا الصباح خير ويحدث شيء جميل يغير الأقدار للأفضل، ثم ماذا؟ أقولها وأنا أنظر لنفسي في المرآة يا ذات الوجه الثابت أما حان الوقت لتغيير؟.
ثم أمضي قدماً نحو طاولتي التي يبدو فيها كل شيء مثالياً ومرتباً إلا أحلامي مبعثرة يمنة ويسرة، أفتح مذكرتي رغبة مني في كتابة شعوري، ولكن ما من كلمة قادرة على وصف حدة الشعور القابع فيّ والقلم يتأرجح بين إصبعي السبابة والوسطى هو الآخر تعب من كونه حبيس الحبر ويريد أن ينطق ويعمل في الشيء الذي وجد من أجله، أتفهم شعوره جيداً فكم هو صعب أن تكون عاطلاً عن الحياة، ورغم كل محاولاتي أعود إلى سريري وأضع غطاء العيون مستدعية النوم؛ لكي يحضر ولكن هو الآخر لا يستجيب، لعله تعب وملّ وكلّ من السكن في عيني طيلة هذه الأيام الماضية، لا بأس سأضع المخدة على رأسي وهكذا.
سينقطع الضجيج الذي بالخارج لا أود سماع أي شيء في حين أن الضجيج الذي بداخلي لا يهدأ، أتمزق ولا ألتئم كجرحٍ غائرٍ تلوث ولم يعد العلاج يجدي نفعاً، أنظر لسقف الغرفة دائماً، هل تعلم أستطيع أن أخبرك عن عدد الشقوق التي في السقف دون أن أحتاج للنظر إليه، أحفظه جيداً فلطالما حبست نظري في السقف هروباً من أن تقع عيني في عين أحدهم فأبكي، فأنا أيضاً مرهقة تبكيني أكثر الأمور تفاهة، تسألني أختي – بقلق – ما بك؟ لا شيء هكذا أجبت وظهري يقابلها ووجهي يقابل الجدار أفتت الألم في صدري كي لا أصرخ منه وأصرّح به، لا شيء قادر على زيادتي كسراً وألماً غير عينيّ أمي التي تلاحقني وأتجنب النظر إليهما.
أعلم جيداً أنها تقرأني بخوف وتفهمني بقلق ولا أريد أي من ذلك أن يحدث، فأنا قوية طالما أمي تعتقد ذلك، ولكن إن عرفت أمي عن حجم اليأس الذي يتربّع كل شبر مني فسيسيطر عليّ، فالمستوطن إن لم يرى نضالك أنقض عليك، ولكن هيهات أن أستسلم، ينتهي اليوم وأنا أحمل نفسي على يدي المتدلية الخائبة من كل شيء إلا الصبر، حقيقة حاولت أن أفتعل الكثير من الطرق لتخلص من فوضى الراحة كأن أضع في كل ليلة كل ما يقلقني أسفل مخدتي، وأخلد إلى النوم، حتى إذا حلّ الصباح أرتبُ كل سريري سوى مخدتي أتعمد أن لا أحركها، لتختنق آلامي المخبأة أسفلها، حتى إذا بلغتها المنية أعاود ترتيبها لليلة التي تليها، وهكذا.